على انحطاط درجتهم عمّن هو أعلى منهم ، لكمال سرورهم بما آتاهم الله من فضله.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا وعد متّبعي الهدى بالأمن ممّا يخاف من العذاب والفراغ من الحزن ، عقّبه بذكر من أعدّ له العذاب الدائم بقوله : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ برسلنا ﴿وَكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ المنزلة عليهم من الإنس والجنّ ﴿أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ﴾ وملازموها غير منفكّين عنها و﴿هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ دائمون.
﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ
بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما دعا عموم النّاس إلى الاعتراف بتوحيده وعبادته والاتّقاء من سخطه وعذابه مستدلا بخلق نعمه العظام من السّماء والأرض والأمطار والثّمار وخلق الاصول ونعمة الحياة وغير ذلك ، حيث إنّ كلّ واحد منها دالّ على وجوده ووحدانيّته واستحقاقه العبادة وقدرته على الإعادة والتّعذيب على الشّرك والعصيان ، خصّ خصوص طائفة بني إسرائيل منهم بالخطاب والدّعوة إلى الإيمان بتوحيده ورسالة رسوله وتصديق كتابه ، لكونهم في ذلك العصر متخصّصين باللّجاج مع النبيّ صلىاللهعليهوآله وشدّة المعاندة للحقّ ، مستدلا بنعمه الخاصّة بهم وبآبائهم ، حيث إنّ فيها مع ذلك استمالة قلوبهم ، وكسر لجاجهم وعنادهم ، فبدأ سبحانة بتذكيرهم النعم الخاصّة بهم إجمالا بقوله : ﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وهم اليهود الذين كانوا في ذلك العصر في المدينة وحولها.
روي أنّ إسرائيل لقب يعقوب عليهالسلام ومعناه في العربيّة : عبد الله ، لأنّ اسرا : هو العبد. وئيل : هو الله (١) . وقيل : إسرا : هو الإنسان ، فالمعنى : رجل الله (٢) . وفي رواية اخرى : اسرا : هو القوّة (٣) .
﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ وهي نعمة هجرة النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى مدينتهم ووضوح علامات نبوّته ودلائل صدقه ، أو هي مع سائر النّعم التي أنعم الله على آبائهم ، فإنّها انعام على أبنائهم.
﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ الذي أخذه أنبياؤكم من أسلافكم وأمروهم أن يؤدّوه إليكم وإلى أخلافكم ، وهو أن تؤمنوا بمحمّد العربيّ القرشيّ الموصوف في كتبهم.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣ : ٢٩.
(٢) تفسير الرازي ٣ : ٢٩.
(٣) علل الشرائع : ٤٣ / ٢.