العلم ، حافظا له كما سمعه ، غير مبدّل ولا مغيّر ، وأن لا يكون في إظهار العلم ضرر على المظهر ولا على المستمع ، وأن يكون العلم ممّا يحتاج إليه السائل في عقيدته وعمله ، بحيث يجب عليه تحصيله. ودلّت الرّوايات أيضا على أنّ حكم الآية عامّ ، وإن قيل أنّها نزلت في رؤساء اليهود وأحبارهم (١) .
كما روي عن ابن عبّاس أنّه سأل جماعة من الأنصار نفرا من اليهود عمّا في التّوراة من صفات النبيّ صلىاللهعليهوآله ومن الأحكام ، فكتموا فنزلت (٢) .
وعنه أيضا أنّه قال : نزلت في أهل الكتاب من اليهود والنّصارى. الخبر (٣) لوضوح أنّ خصوصيّة المورد لا يخصّص عموم الحكم.
﴿إِلَّا الَّذِينَ تابُوا﴾ ورجعوا عن كفرهم ، وندموا على كتمانهم ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ نيّاتهم وأعمالهم وتداركوا ما أفسدوه ﴿وَبَيَّنُوا﴾ للنّاس ما في الكتب السّماويّة من نعوت محمّد صلىاللهعليهوآله وعلائمه. ﴿فَأُولئِكَ﴾ التائبون الصالحون ﴿أَتُوبُ﴾ وأرجع ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بقبول التّوبة والرّحمة المغفرة ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ﴾ السّريع القبول للتّوبة ، الواسع المغفرة للتّائبين ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢)﴾
ثمّ لمّا لم تكن في الآية السابقة دلالة على استمرار اللّعنة عليهم ، صرّح سبحانه وتعالى بكونهم ملعونين بعد الموت إذا استمرّوا على كفرهم بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله وبآياته وكتموها عن النّاس ﴿وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ لم يرتدعوا عن عقائدهم الفاسدة ، ولم يتوبوا من أفعالهم الشّنيعة. ﴿أُولئِكَ﴾ المصرّون على الكفر ومعاندة الحقّ ، مستقرّ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بعد خروجهم من الدنيا ﴿لَعْنَةُ اللهِ﴾ وطردهم من رحمته ﴿وَ﴾ لعنة ﴿الْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ حتّى الكفّار منهم ، حيث إنّهم يلعنون الكفّار في الدنيا لادّعائهم أنّهم ليسوا منهم ، وقد أخبر الله تعالى بأنّ يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا.
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٦٤.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ١٦٢.
(٣) تفسير الرازي ٤ : ١٦٢.