﴿مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ﴾ وأوضحناه وفصّلناه ﴿لِلنَّاسِ﴾ كافّة ، الكاتمين وغيرهم ﴿فِي الْكِتابِ﴾ السّماويّ من التّوراة والإنجيل وغيرهما ، بحيث يتلقّاه ويفهمه كلّ أحد من غير أن يكون فيه شبهة وريب.
﴿أُولئِكَ﴾ الكاتمون ﴿يَلْعَنُهُمُ اللهُ﴾ ويبعدهم من رحمته وفضله في الدّارين ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ من الملائكة والجنّ والإنس ، بل كلّ ما يتأتّى منه اللّعن من سائر الحيوانات والنّباتات والجمادات بلسان حالهم وقدر شعورهم ، بل حتّى نفس الكاتم حيث إنّه يقول : لعن الله الكاتمين.
عن العيّاشيّ عن الصادق عليهالسلام في قوله : ﴿اللَّاعِنُونَ﴾ قال : « نحن هم ، وقد قالوا : هوامّ الأرض » (١) .
عن ابن مسعود رضى الله عنه : ما تلاعن اثنان إلّا ارتفعت اللّعنة بينهما ، فإن استحقّها أحدهما وإلّا رجعت على اليهود الذين كتموا صفة محمّد صلىاللهعليهوآله (٢) .
عن ( الاحتجاج ) و( تفسير الإمام ) عن أبي محمّد عليهالسلام قال : « قيل لأمير المؤمنين صلوات الله عليه : من خير خلق الله بعد أئمّة الهدى ومصابيح الدّجى ؟ قال : العلماء إذا صلحوا.
قيل : ومن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود (٣) ، وبعد المتسمّين بأسمائكم والمتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتأمّرين في ممالككم ؟ قال : العلماء إذا فسدوا ، المظهرون للأباطيل ، الكاتمون للحقائق ، فهم الذين قال الله عزوجل : ﴿أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾(٤) .
في حرمة كتمان العلم عن المحتاج الأمين
عن القمّي مرفوعا : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إذا ظهرت البدع في امّتي فليظهر العالم علمه ، ومن لم يفعل فعليه لعنة الله » (٥) .
وعن النبيّ أنّه قال : « من سئل عن علم يعلمه فكتمه ، الجم يوم القيامة بلجام من نار » (٦).
وعن العيّاشيّ عن الباقر عليهالسلام : « إنّ رجلا أتى سلمان الفارسيّ ، فقال : حدّثني فسكت ، ثمّ عاد فسكت ، ثمّ عاد فسكت ، فأدبر الرّجل وهو يتلو هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ فقال له : أقبل ، إنّا لو وجدنا أمينا لحدّثناه » الخبر (٧) .
فدلّت الرّواية على أنّ مطلق الكتمان لا يكون محرّما ، بل يكون مشروطا بكون الطّالب أمينا على
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ١٧٣ / ٢٤٧.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٦٥. (٣) في الاحتجاج وتفسير الإمام : ونمرود.
(٤) الاحتجاج : ٤٥٨ ، التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٠٢ / ١٤٤.
(٥) الكافي ١ : ٤٤ / ٢.
(٦) مجمع البيان ١ : ٤٤٢ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٩.
(٧) تفسير العياشي ١ : ١٧٢ / ٢٤٤ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٩.