أقول : الأخبار الدّالّة على أنّ اليهود كانوا يظهرون العداوة لجبرئيل كثيرة من الخاصّة والعامّة ، ولا بعد فيه لكثرة جهالتهم ، حيث إنّهم الذين قالوا لموسى عليهالسلام بعد ما رأوا الآيات البيّنات : ﴿اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ﴾(١) ثمّ تمادوا في الجهل والغواية حتّى انتهوا إلى عبادة العجل ، وكادوا أن يقتلوا هارون.
وما قيل من أنّ اليهود في الأعصار المتأخّرة منكرون معاندة أسلافهم لجبرئيل ، فهو باطل مردود ؛ لأنّ القرآن كان بمنظر ومسمع من أهل الكتاب من اليهود والنّصارى ، ولم يبارزه أحد منهم بالرّدّ والتّكذيب في هذه النّسبة ، وإلّا لنقل إلينا.
اعتراض ورد
فإن قيل : نزل القرآن بالاتّفاق على ظاهر النبيّ صلىاللهعليهوآله فكيف قال : ﴿نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ﴾ قلنا : نزل القرآن على ظاهره وباطنه ، ولمّا كان نزوله على باطنه أشرف وأنفع لعموم الخلق ؛ لأنّه بحفظ قلبه حفظ وبقي بين النّاس ، خصّه بالذّكر كما قال في الشعراء : ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾(٢)
ثمّ بعد بيان أنّه لا جهة لعداوة جبرئيل حيث إنّه عامل بأمر الله ومطيع لحكمه ، بل على النّاس أن يحبّوه ويشكروه حيث إنّه واسطة لتبليغ الهداية والبشارة ، هدّد الله المعاندين له ، بل معاند جميع المقدّسات بقوله : ﴿مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ﴾ بأن سبّ الله عدوانا ، أو خالفه ، أو عاند أولياءه ، ﴿وَ﴾ عدوّ ﴿مَلائِكَتِهِ﴾ المبعوثين لنصرتهم ﴿وَ﴾ عدوّ ﴿رُسُلِهِ﴾ المبلّغين عنه ، المخبرين بما فيه خير العامّة وصلاح الخلق في الدنيا والآخرة ، ﴿وَ﴾ عدوّ ﴿جِبْرِيلَ وَمِيكالَ﴾
عن عكرمة : أن جبروميك وإسراف هي العبد بالسّريانيّة ، وئيل : هو الله (٣) ، وتخصيصهما بالذكر بعد ذكر عموم الملائكة لفضلهما ، ولجريان ذكرهما بين الرّسول واليهود.
﴿فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ﴾ بعلّة كفرهم ، وعداوة هؤلاء الكفرة لا تضرّ الله وملائكته ورسله وأولياءه ، وعداوة الله لهم تضرّهم أشدّ الضّرر.
﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَ وَكُلَّما عاهَدُوا
__________________
(١) الأعراف : ٧ / ١٣٨.
(٢) الشعراء : ٢٦ / ١٩٣ و١٩٤.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ١٨٨.