قاب قوسين بينهما أو أدنى ، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى ، فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة : ﴿لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ الآية ، وكانت الآية ممّا (١) عرضت على الأنبياء - من لدن آدم إلى أن بعث ( تبارك اسمه ) محمّدا صلىاللهعليهوآله - وعلى الامم ، فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعرضها على امّته فقبلوها » (٢) .
أقول : المراد من الأمّة التي قبلتها أمير المؤمنين عليهالسلام والأوحدي من أصحابه ، لظهور أنّ الّذين شكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله من ثقل الآية ، فقال لهم : « لعلّكم تقولون كما قال بنو إسرائيل : ﴿سَمِعْنا وَعَصَيْنا*﴾ ، قولوا : سمعنا وأطعنا » - على ما في الرّواية السّابقة - لم يكونوا ممّن قبلها ؛ لأنّهم لم يقولوا : سمعنا وأطعنا ، بل روي أنّه أشتدّ ذلك [ عليهم ] ، فمكثوا في ذلك حولا (٣) .
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ (٢٨٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى - لمّا بيّن التّكاليف الكثيرة ، ثمّ عقّبها بآية المحاسبة - مدح النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنين به بكمال الإيمان والسّمع والطّاعة بقوله : ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ حقّ الإيمان بالمشاهدة والعيان ، لا بالدّليل والبرهان ﴿بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ من المعارف والحكم والأسرار وحقائق الأشياء التي يمكن تحمّلها ، المنطوية في القرآن المجيد.
قيل : إنّه تعالى لمّا بيّن في فاتحة السّورة الكريمة ؛ أنّ الكتاب العظيم الذي أنزله على رسوله ، هدى للمتّقين المتّصفين بالصّفات الفاضلة ، ولم يبيّن مصداقا لهم ، عيّن في خاتمتها المتّصفين بها ، وحكم بعنوان الشّهادة لهم بكمال الإيمان وحسن الطّاعة ، وإنّما بدأ تعالى بذكره صلىاللهعليهوآله بطريق الغيبة ، مع ذكره هناك بطريق الخطاب ، لما أنّ حقّ الشّهادة الباقية مرّ الدّهور أن لا يخاطب بها المشهود له.
وإيراده بعنوان الرّسالة المنبئة عن كونه صلىاللهعليهوآله صاحب كتاب وشرع تمهيدا لقوله : ﴿بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ ،﴾ والتّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع إضافته إليه تشريف له ، وتنبيه على أنّ إنزاله إليه تربية وتكميل له صلىاللهعليهوآله.
ثمّ أتبع مدحه بمدح تابعيه بقوله : ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ المعهودون المعروفون ، الخاصّون الصّدّيقون
__________________
(١) في المصدر : قد.
(٢) الاحتجاج : ٢٢٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٩.
(٣) تفسير الرازي ٧ : ١٢٥.