وادي بدر ؛ إحداهما ﴿فِئَةٌ﴾ مؤمنة ، قليلة العدّة والعدد ، وهم الرّسول صلىاللهعليهوآله ، وثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه ، وكانت تلك الفئة ﴿تُقاتِلُ﴾ وتجاهد ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وطاعته ، وطلبا لمرضاته ، ﴿وَ﴾ فئة ﴿أُخْرى﴾ منهما ﴿كافِرَةٌ﴾ بالله ورسوله ، وهي طائفة قريش ، وفيها صناديدهم وشجعانهم ، حيث صمّموا على قتال الرّسول صلىاللهعليهوآله وأصحابه حين سمعوا أنّه صلىاللهعليهوآله قصد عيرهم.
وإنّما لم يوصف قتال الفئة الكافرة بكونه في سبيل الطّاغوت ؛ لوضوح أنّ قتالهم كان على ضدّ قتال الفئة المؤمنة ، ولعدم الاعتداد بقتالهم ، وللإشعار بأنّهم لم يكونوا قاصدين له لما اعتراهم من الرّعب.
روي أنّ المشركين كانوا تسعمائة وخمسين رجلا مقاتلا ، وكان رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وفيهم أبو سفيان بن حرب وأبو جهل ، وقادوا مائة فرس ، وكان فيهم سبعمائة بعير ، وأهل الخيل كانوا كلّهم دارعين ، وكان في الرجّالة دروع سوى ذلك ، ومن أصناف الأسلحة عدد لا يحصى.
وكان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ؛ سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار ، وكان صاحب راية النبيّ صلىاللهعليهوآله والمهاجرين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة الخزرجي ، وكان في العسكر تسعون بعيرا وفرسان ، أحدهما للمقداد بن عمرو والآخر لمرثد بن أبي مرثد ، وست أدرع وثمانية سيوف (١) .
فلمّا تراءت الفئتان كان المشركون إذا نظروا إلى المسلمين ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾ مع كونهم قريبا من ثلثهم ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾ وضعف عددهم - أي ستمائة ونيفا وعشرين ، بناء على إرجاع ضمير ( مثليهم ) إلى المسلمين ، ويحتمل رجوعه إلى المشركين ، فيكون عدد المسلمين في نظرهم ألفا وتسعمائة (٢) - رؤية ظاهرة لكونها ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ لا يحتمل الالتباس فيها ، كما يحتمل في سائر المعاينات ، وقيل : إنّ المراد رؤية المعاينة ، من غير محاسبة.
قيل : إنّ الله تعالى قلّل المسلمين أوّلا في أعين المشركين ، حين التقت الفئتان ، ليتجرّأوا على قتال المسلمين ، وقلّل المشركين في أعين المسلمين ، لئلّا يتخاذلوا في قتالهم ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً﴾(٣) كما في سورة الأنفال ، فلمّا تبارزوا للقتال ، واشتبكت الحرب ، كثّر الله المسلمين في أعين
__________________
(١) تفسير الرازي ٧ : ١٨٩ ، تفسير أبي السعود ٢ : ١٣.
(٢) في النسخة : ألفا وست مائة.
(٣) الأنفال : ٨ / ٤٢.