وبالجملة فالتأمل التام خصوصا بعد ما تسمعه من الأحكام التي لا توافق قواعد العقود العامة مع فرض عدم دليل مخرج لها يقتضي أنها بالتسبيب أشبه.
ودعوى أنها كالوصية التي من إيجابها « افعلوا كذا » ونحوه لا يخفى عليك ما فيها بعد الإحاطة بما ذكرناه في الوصية ، وأنها قسمان : وصية عهدية ، وليست من العقود في شيء ، واخرى عقدية ، وهي بمنزلة الهبة ، ومن هنا لا تمنع إيقاع الجعالة في بعض أفرادها على نظم العقد المشتمل على الإيجاب والقبول.
إنما الكلام في أصل مشروعيتها على وجه إذا فقدت بعض ما يعتبر في العقود تكون باطلة ، ومن هنا قال في المسالك : « تظهر الفائدة فيما لو فعل العامل لا بقصد العوض ولا بقصد التبرع بعد الإيجاب ، فعلي الأول يستحق العوض ، لوجود المقتضي له ، وهو الصيغة مع العمل ، وعلى الثاني لا يستحق وإن كان قد عمل ، لأن المعتبر من القبول الفعلي ليس هو مجرد الفعل ، بل لا بد معه من انضمام الرضا والرغبة فيه لأجله ، كما نبه عليه في الوكالة » والذي ذكره في الوكالة عدم الاكتفاء في قبوله العقدي بفعل ما وكل فيه ، بل لا بد فيه مع ذلك من اقترانه بالرغبة والرضا ووقوعه قبل أن يرد ، وكان مراده اعتبار قصد ارتباط القبول بالإيجاب وعقده به.
وعلى كل حال فالأصح عدم اعتبار ما يعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة ، بل تصح بدون ذلك وإن كان له فعلها بكيفية العقد ، بل لا يبعد اعتبار ما يعتبر فيه حينئذ.
ولو كذب المخبر فقال : « قال فلان : من رد ضالتي فله كذا » لم يستحق الراد على المالك شيئا ، للأصل وغيره ، بل ولا على المخبر كما صرح به في القواعد أيضا وغيرها ، للأصل أيضا وغيره ، وكذبه لا يوجب ضمانه ، وقاعدة الغرور لا محل لها هنا ، ضرورة كون التفريط وقع منه بتركه التثبت والتفحص وتعويله على خبره.
( و ) كيف كان فهي ( تصح على كل عمل مقصود ) للعقلاء على وجه