ولو فسخ العامل ثم أراد العمل بالجعل فهل ينفسخ العقد أم يستمر إيجاب الجاعل؟ وجهان لا ترجيح بينهما ، وفي جامع المقاصد والمسالك يبنى على أن الجعالة هل هي عقد أم لا؟ فعلي الأول يحتمل الانفساخ ، لأن ذلك هو قضية العقد الجائز فلا يستحق بعد ذلك بالعمل شيئا ، سواء علم المالك بفسخه أولا ، ويحتمل عدمه ، لأن العبرة بإيجاب المالك وإذنه في العمل بعوض ، وذلك أمر لا قدرة للعامل على فسخه ، وإنما تركه العمل في معنى الفسخ ، ومثله ما لو فسخ الوكيل الوكالة ثم فعل مقتضاها.
وفيه ما لا يخفى من منافاة الوجه الثاني للقواعد ، وبقاء الاذن في الوكالة لا يقتضي بقاء عقد الوكالة الذي يجوز فيه الفسخ ، والفرض حصوله منه ، فأي وجه لعوده جديدا من دون إنشاء جديد من المالك.
نعم قد يقال على الثاني يتجه عدم بطلانها واستحقاقه العوض بالفعل ، لأنها عبارة عن الإيجاب والاذن في الفعل ، وحكمه بعد الاذن بيده لا بيد غيره ، نحو العهد واليمين ، خصوصا مع كون الجعالة بلفظ العموم ونحوه مما لا وجه لفسخه ممن لا سلطنة له على ذلك ، لا بالنسبة إلى نفسه ، ولا بالنسبة إلى غيره. وحينئذ فمعنى قولهم : « يجوز للعامل الفسخ » أنه لا يجب عليه الوفاء بالعمل ، سواء شرع فيه أم لا ، بل يجوز له تركه متى شاء وإن بقي حكم الأول. وكيف كان فقد سمعت إطلاقهم جوازها.
لكن قد يستشكل فيه بحيث يترتب عليه عدم قبول دفع العوض في صورة الفسخ بعد وصول الآبق والضالة مثلا إلى يد العامل قبل وصولها إلى يد المالك بأنه لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ ، إذ لا يجوز له تركها ، بل يجب تسليمها إلى المالك أو من يقوم مقامه ، فيتم العمل.
ويدفعه أن فائدة الفسخ حينئذ عدم وجوب السعي في إيصالها للمالك ، إذ الواجب عليه حينئذ إعلامه بها ، فان كان قد بقي لردها مقدار يعتد به من العوض فالفائدة ظاهرة ، وإن لم يكن بقي فالساقط هو ما قابل ذلك المتخلف ، ولا يحصل