كما أنّ توهّم أنّ لازم مقدمية الترك استناد الوجود إلى العدم ، فيلزم سد باب اثبات الصانع ، واضح الدفع ، فإن المحال ترشح الوجود من العدم ، والترك على فرض المقدمية شرط ، لا أنه مقتض يترشّح منه المقتضى.
ثم إنك قد عرفت الوجه في عدم توقّف الترك على الفعل ؛ لأنّ العدم لا يحتاج إلى فاعل وقابل حتّى يتصوّر فيه شرطية شيء له.
وأمّا ما يقال (١) : من أنّ لازم توقّف العدم على الفعل أحد محاذير ثلاثة :
إما استناد الوجود إلى العدم ، أو ارتفاع النقيضين ، أو تحقّق المعلول بلا علة ، وذلك لأنه لو فرض عدم هذا الفعل ـ الذي يكون علة لترك ضده ـ وعدم ما يصلح للعلية له ، ومع ذلك لو كان الفعل الذي عدمه معلول حاصلا ، للزم استناد الوجود إلى العدم لفرض عدم ما يصلح للعلية في العالم ، وإن لم يكن الفعل ولا عدمه ثابتين للزم ارتفاع النقيضين ، وان كان العدم ثابتا مع فرض عدم علّته ـ وهو الفعل ـ لزم المعلول بلا علة.
فمندفع : بأنّ من يقول بتوقّف الترك على الفعل يقول بتوقّف العدم الطاري لا العدم الأزلي ؛ لأنّ الفعل ليس بأزلي (٢) حتى يتصوّر عليته له ، وفرض العدم الطاري لا يكون إلاّ مع فرض الفعل الذي هو علّة له ، وإلاّ فنقيض العدم الطاري باق ببقاء علّته ، فالمحاذير الثلاثة نشأت من الخلط بين العدم الأزلي والعدم الطارئ ، فإنّ العدم الأزلي هو الذي يمكن فرضه مع فرض عدم كلّ
__________________
(١) مطارح الأنظار : ١٠٤ ـ ١٠٥.
(٢) قولنا : ( لأنّ الفعل ليس بأزلي ... الخ ).
وإن شئت قلت : فرض استناد العدم الأزلي إلى الفعل فرض أزليّة الفعل ، وهو غير معقول ، ومع التنزّل ففرض العدم الازلي يستلزم فرض الفعل الازلي ، فلا يكون المعلول بلا علة. [ منه قدّس سرّه ].