فيها ، فيكون حجة على نفي مدعى الأخباريين ، وعلى نفي العقاب من جهة التكليف بالاحتياط.
أقول : وهذا الّذي أفاده ـ دام ظله ـ في تقريب الاستدلال بما لا يعلمون ـ بعد عدم احتمال كون المقدر المرتفع المؤاخذة ، لعدم كونها من آثاره مطلقا ، حتى بالنسبة إلى الحكم المجهول هو الّذي ينبغي أن يعتمد عليه ، لا الّذي ذكره ـ قدس سره ـ فيما يأتي من كلامه. من أن المرتفع فيما لا يعلمون وأشباهه ـ مما لا يشملها أدلة التكليف ـ هو إيجاب الاحتياط والتحفظ على وجه لا يقع في مخالفة الحرام الواقعي ، ويلزمه ارتفاع العقاب واستحقاقه.
فإنه ـ قدس سره ـ وإن أصاب في جعل الأثر لما لا يعلمون عدم إيجاب الاحتياط ، لكن في جعله وجوب الاحتياط على تقدير ثبوته منجزا للواقع المجهول على المكلف ـ كما في الطرق والأمارات الشرعية ، بحيث يكون العقاب حينئذ على مخالفة الواقع المجهول ، كما ينادي به قوله قبل ذلك ، حتى يلزمه ترتب العقاب إذا أفضى ترك التحفظ إلى الوقوع في الحرام الواقعي ـ ما لا يخفى على المتأمل ، فإن وجوب الاحتياط والتحفظ على تقديره مستلزم للعقاب على مخالفة نفسه بعد العلم به ، سواء كان في مورده تكليف واقعي ، أو لا ، كما يقول به الأخباريون أيضا ، لا على مخالفة الواقع المجهول على تقديرها ، فإنه ليس التكليف بالاحتياط كالتكليف بالطرق والأمارات الشرعية ، فإنها بعد أمر الشارع بها يتم كونها طريقا وحجة على الواقع ، لكونها في أنفسها كاشفة عنه ومرآة له ظنا ، والأمر بالاحتياط لا يعقل كونه بيانا لذلك التكليف المجهول كما اعترف به ـ قدس سره ـ أيضا في نظيره ، وهو قاعدة وجوب دفع الضرر في طي الاستدلال بالوجه الرابع من أدلة البراءة ، وهو العقل (١) ، فراجع.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٣٣٥.