فصنعوه قال فعاد الفقراء إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقالوا يا رسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه فقال ـ رسول الله صلىاللهعليهوآله : ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ.
______________________________________________________
وهو أن الفقر والغناء ثلاثة.
الأولى : الغني والفقير اللذين يفعل كل منهما الواجب عليه فقط.
الثانية : أن يفعل كل منها ما هو مقدوره كان يصبر الفقير ويؤثر على غيره ويحج الغني ويعتق ويتصدق.
الثالثة : الفقر والغناء وصفان كليان من حيث كون كل منهما قابلا للأمر إما الغناء فقابل لتحصيل القرب بالمالية ، وأما الفقر فقابل للصبر ، وكل واحد من هذه الثلاثة يصح أن يكون محلا للخلاف ، أما الأولى فلأنه يمكن أن يقال فيها هل فضل القربات المالية الواجبة أرجح من صبر الفقير أو صبره أرجح ، وأما الثانية وهي الأنسب بهذا الحديث ، فكذلك بنحو ما تقدم ، وأما الثالثة فكذلك فإنه يصح أن يقال هل قابلية فعل الخيرات والقربات المالية أرجح من قابلية تحصيل الصبر والسلامة من عهدة الغناء وتكاليفه أو العكس فتأمل ، ورجح بحسب ما ظهر لك من الروايات وغيرها ، انتهى.
وأقول : الأظهر عندي أن الفقر والغناء والصحة والقسم والعزة والذلة والشهرة والخمول وسائر تلك الأحوال المتقابلة لكل منها جهات كثيرة ومختلف. بحسب الأحوال والأشخاص والأزمان ، ولا يعلم جميع ذلك إلا علام الغيوب ، ولا يفعل شيئا من ذلك بعباده بلطفه الشامل إلا ما علم صلاحهم فيه بعلمه الكامل ، فوظيفة العبد أن يكل جميع ذلك إلى مولاه ، ويتوكل عليه ويرضي بقضائه ، ويصبر على بلائه ويشكره على نعمائه ، ولا يختار لنفسه ما لا يعلم عاقبته ، فالغني للغني أصلح ، وإلا لم يفعله به مولاه ، والفقر للفقير أفضل وإلا لم يفعله به من خلقه ورباه وهكذا جميع أحوال العالمين « فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ » (١).
__________________
(١) الأعراف : ١٤٤.