__________________
ماله في الاخرة من خلاق ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون.
فيعرف من جملة ذلك أن عرفان السحر وتعلمه وتعليمه لعامة الناس احقاقا للحق وابطالا لما يدعونه السحرة من الاعجاز والقدرة السماوى والسيطرة الالهى ، لا بأس به ، بل هو مما أنزل الله لتحقيقه ملكين ، فمن فعل ذلك ، فقد شرك الملكين في نيتهما وعملهما وله مثوبة ذلك ، وأما تعاطى السحر لغير ذلك من الاغراض فهو الكفر بالله العظيم ، والشراء والاشتراء هو ما نسميه الان في عرفنا « بالعرض والتقاضى » فالشراء أن يعرض صاحب المتاع متاعه للبيع ، والاشتراء أن يطلب المتاع ويتقاضاه من له الحاجة إلى ذلك المتاع ، فاذا باعه ذاك الشارى وابتاعه هذا المشترى فقدتم.
ولذلك يقول : « لمن اشتراه » أى من طلب السحر متاعا ليصرفه في حاجة نفسه فيغرق مثلا بين عدوه وزوجته ، أو ليصرفه لحاجة غيره فيبيعه منه بثمن « ماله في الاخرة من خلاق » أى من نصيب.
ولذلك نفسه يقول : « ولبئس ماشروا به أنفسهم » أى أنهم بفعلهم السحر قد عرضوا أنفسهم للبيع بثمن قليل وقد كانت غاليا ثمنها الجنة ، لكنهم لا يعلمون « ولو أنهم آمنوا » أى لم يكفروا أى لم يسحروا بل لم يشتروا السحر ، « واتقوا » من الله وعذابه « لمثوبة من عند الله » تنالهم في حلهم السحر وتكذيب السحرة اقتداءا بما فعل الملكان النازلان « خير » لهم « لو كانوا يعلمون ».
وقوله : « وما هم بضارين به من أحد الا باذن الله » اشارة إلى أن فعل السحر انما هو تأثير سبب خفى على عامة الناس ظاهر سببيته على الخاصة ، فمن توصل بالسبب الخفى على مسببه ، ليس قد ظهر على سر الخلقة بذاته ولا هو ممن أظهره الله على ذلك كما أظهر على ذلك سليمان ، بل الله عزوجل كما أذن اذنا تكوينيا في تأثير الاسباب الظاهرة أذن في تأثير الاسباب الخفية ، ومن توصل بأحد من الاسباب ـ الظاهرة أو الخفية ـ فقد أخذ باذن الله عزوجل.
وفعل السحر ـ أعنى التوصل
بالاسباب الخفية على مسبباتها ـ وان كانت مبغوضا