أحياناً أصعب وأعقد من لحظات المواجهة الساخنة الواضحة مع الأعداء ، وخاصة إذا كان رمز هذا النوع من الجهاد مطالباً بحقن دماء شيعته أو حفظ بقيتهم أو تدبير دورهم في مواجهة طاغوت لئيم لا يعرف قلبه الرحمة ولا يهمّه أن يُجهز عليهم جميعاً دون أن يرفّ له جفن إذا ماهمسوا ضده بقول أو انبروا له بفعل أو عمل...
هذا الخانق المؤلم بين الخيارين : خيار الاستشهاد والتضحية ، أو خيار الصبر والتقية ، هو الذي وجد الإمام السجاد نفسه مضطراً إليه بعد أن أنجاه الله تعالىٰ من موت أكيد مع إخوته وأبناء عمومته بسبب المرض الذي أقعده عن حمل السلاح في يوم الطفوف ، وهو الخيار المرّ الذي اضطرّ عليهالسلام لسلوكه لاستكمال الدور الرسالي الذي انتُدب له ـ كما مرَّ ذكره ـ
ولا نريد هنا تلخيص ما قدمناه في الفصل الأول من بحثنا الموجز هذا حول دور الإمام السجاد عليهالسلام ، في ترسيخ القيم وكشف الشرعية المزيّفة لأدعياء الدين وفضح مدّعياتهم ، وسعيه الحثيث لتشكيل الجماعة الصالحة التي أخذت علىٰ عاتقها إتمام المهمة الرسالية التي لابدّ من وجود حيّ لإتمامها أو مواصلتها...
نعم ، إنّ دين الله يمكن أن ينهض به المعارض الشريف حتىٰ لو لم يستلم سلطة أو يستلم حكماً ، مادام قد فهم دوره وأتقن أداءه وأجاد تأديته ، وربما يكون هذا الدور قد فهم من قراءة فصول هذا الكتاب وبعض
_______________________
فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) سورة التوبة : ٩ / ٤١. ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) سورة الأنفال : ٧ / ٧٢.