مهزلة وحكاية ، ومن جهة اُخرىٰ يريد تحريك أجواء الصراع ضد الظالمين واستثمار فضاءاته الحرّة لتطويق مساعي الحكام الأمويين في الالتفاف علىٰ جريمتهم في تحريف الدين وخبثهم في احتواء غضب الاُمّة المقدس ضد قتلة الإمام الحسين عليهالسلام وأصحاب الحسين.
ومن جهة ثالثة : لا يريد أن يُتّهم أنه اعتزل التصدي تشبثاً بالحياة وحرصاً علىٰ حطامها ، بل انه كان يسعىٰ إلىٰ تسفيه تلك التهمة باعتباره أزهد الناس في حياة نتنة (اغتالت حسين السبط واختارت يزيداً)...
وفوق ذلك كلّه أنّه عليهالسلام لم يرد أن يعطي للمتقاعسين والمتخاذلين عذراً آخر لتبرير قعودهم وغدرهم واحتمائهم بعزلته وانطوائه ، أي اتخاذ ذلك ذريعةً وغطاءً لنكوصهم وجبنهم وتهافتهم علىٰ الدنيا وملذّاتها ، وبالتالي مواصلة طريق الانحراف الذي كان عليهالسلام أصدق الناس في محاربته ، وأمضاهم في مناجزته ومناوءته...
كانت حصيلة هذا العمل الدؤوب والمنهج
الحكيم ، والموازنة الدقيقة ، وبعد أن كان الناس قد (ارتدوا إلّا ثلاثة) و (لم يبقَ في المدينة ومكة أكثر من عشرين شخصاً محباً لأهل البيت) ـ كما ذكرنا ـ ، وبعد انقطاع مفتعل موهم عن مسرح الأحداث ، واستثمار موفّق لظروف الزمان والمكان ـ كما سيأتي ذكره ـ كانت الحصيلة أن استطاع الإمام السجّاد عليهالسلام وعدد قليل من المخلصين الذين تظافرت جهودهم علىٰ نصرته أن يحقق نتائج قياسية ويترك آثاراً عظيمة لا يقدر علىٰ تحقيقها أي زعيم أو قائد يمرُّ بظروفه وتعقيدات المقطع الزمني الحساس الذي عاشه أو تفاعل معه