الفصل الثاني
ظاهرة البكاء عند الإمام زين العابدين عليهالسلام
بين البكاء والتباكي الهادفين خيط رفيع لا يمكن تجليته واكتناه فلسفته إلّا بفهم الهدف من البكاء أولاً ، والتباكي ثانياً.
فإذا كان الهدف من البكاء هو تربية النفوس وتجلية الصدأ الذي يرين عليها جرّاء زحمة الحياة وقساوة العيش ، ومن ثم توجيه البكاء إعلامياً للتأثير علىٰ الناس كشكل من أشكال العمل السياسي أو الرسالي الهادف النبيل ، يأتي هنا ممدوحاً ومندوباً ، وهو غير الجزع والضعف والنفاق والرياء الذي له أهداف هابطة اُخرىٰ.
أي أنّه في الدائرة الاُولىٰ عاطفة نبيلة يمكن أن تنتزع من الإنسان دواعي قسوة القلب وغلظته وشدّته ، وتحيله أكثر شفافية وسماحة ورقّة من جهة ، وهو عمل تربوي لتوجيه النفوس وتربيتها وتهذيب مشاعرها وأحاسيسها من جهة اُخرىٰ.
وهكذا التباكي هو الآخر ، إمّا أن يكون
تمثيلاً أجوف لا هدف وراءه ولا جدوىٰ منه ولا طائل ، وإمّا أن يكون مواساةً للباكي في صدق بكائه وتصديق انفعاله وتفاعله مع حدث ما أو مصيبة ما ، أو يكون مشاركةً إنسانية ووجدانية تواسي المبكى عليه في عظمة تضحيته ونبل إقدامه