هذا (المسرف) سبباً للإجهاز علىٰ الإمام عليهالسلام وأهل بيته ، بل صار الإمام ملاذاً لمن التحق به من المؤمنين هرباً من (إسراف) الجيش الأموي ووحشيته وبربريته. وكان ممن لاذ به من الأمويين عائلة مروان بن الحكم وزوجته عائشة بنت عثمان بن عفان ـ كما مرَّ ذكره ـ وأكثر من أربعمائة مُنافية (من آل عبد مناف) كان عليهالسلام يعولهُنّ إلىٰ أن تفرّق الجيش... (١).
وهذا يعني أنّ الإمام السجاد عليهالسلام أيقن أن أهل المدينة كانوا لا يحملون تجاهه إلّا عواطف مفجوعة وشعور عميق بالذنب إن لم نقل مواساة كاذبة يمكن أن تتبدد في أول لحظة من لحظات الخطر أو المواجهة مع الموت ، كما حصل مع أبيه عليهالسلام حين كانت قلوب الناس معه وسيوفهم عليه...
ولذلك حين جاؤوه مبايعين يقولون : (... فمرنا بأمرك ، فإنّا حرب لحربك ، وسلمٌ لسلمك) وغير ذلك ، قال لهم : « هيهات.. ومسألتي إلّا تكونوا لنا ولا علينا .. » وأخذ عليهم عهداً أن يأخذوا جانب الحياد فقط ... (٢).
من هذا المكان النائي ، ومن هذه العزلة الهادفة ، راح الإمام السجاد عليهالسلام يبني الجماعة الصالحة ، ويرصد عن كثب أنباء الطلائع التي كانت تخرج بين فترة وأُخرىٰ لتقويض الحكم الأموي ومناجزة الطغاة من ولاتهم وكشف
_______________________
(١) أيام العرب في الإسلام : ٤٢٤ هامش رقم (١).
(٢) راجع : الاحتجاج / الطبرسي : ٣٠٦. واللهوف / ابن طاووس : ٦ ، ٦٧.