المقدِّمة
دأب معظم الكتّاب والباحثين الذين كتبوا عن سيرة أئمة أهل البيت عليهمالسلام علىٰ عدم تجاوز النسق التقليدي في العرض التأريخي لحياة كل واحد منهم ، والذي يستهل عادة بذكر يوم ولادته وأسمائه وكناه ومناقبه ومعاجزه وكراماته ونحوها، انتهاءً بوفاته... وقليل منهم من يدون مقاطع وأحداثاً أكثر إثارة في حياتهم الاجتماعية والسياسية.
هذا مع عموم أئمة أهل البيت عليهمالسلام أما حين نأتي علىٰ دراسة حياة الإمام السجاد زين العابدين عليهالسلام فسنرى الرزيّة أعظم والكارثة أدهىٰ وأمرّ ؛ إذ إنّ هذا الإمام ـ كما هو معروف ـ عاش أقسىٰ وأشدّ ما يعانيه إنسان معارض وهو يرىٰ بأُم عينيه مشاهد وفصول واقعة كربلاء الرهيبة ويبقىٰ يحمل ذكرياتها في ضميره ووجدانه ، الأمر الذي دفع السلطات إلىٰ أن تحصي عليه أنفاسه وتراقب حركاته وسكناته ، وفي مقطع زمني بغيض أقلّ ما قيل فيه إنّ الناس بعد مصرع والده الإمام الحسين عليهالسلام «ارتدوا جميعاً إلّا ثلاثة» (١).
وذلك تعبير عن هول الصدمة التي عصفت بمشاعر الاُمّة وهي ترىٰ ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيد شباب أهل الجنة مع أصحابه وبنيه مجزّرين كالأضاحي في رمضاء كربلاء ، لا يسلم منهم أحد إلّا رجل واحد مريض ، اختزنته المشيئة الإلهية ليبقىٰ شاهداً علىٰ العصر وحجّة علىٰ
_______________________
(١) عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « ارتدّ الناس بعد قتل الحسين عليهالسلام إلّا ثلاثة ، وهم أبو خالد الكابلي ، ويحيىٰ ابن أم الطويل ، وجبير بن مطعم ، ثم قال : ثم إنّ الناس لحقوا وكثروا » ، راجع : رجال الكشي ، ترجمة ابن أم الطويل.