العباد لاستكمال فصول «الابتلاء» ؛ بل الغضب الإلهي الذي عمّ أهل الدنيا بعد تلك الواقعة السوداء التي لطخت وجه التاريخ.
نقول ، إنّ «التاريخ الأسود» الذي كتبته السلطة الأموية الحاكمة ، لم يبق للمؤرخين من سيرة هذا الإمام العظيم إلّا النزر القليل، فضلاً عن التحريف المتعمد لتشويه صورته والتعتيم علىٰ مواقفه وسيرته ووفق الطريقة التي تخدم السلطة الحاكمة ، وتبرّر للحكام عزلته أو اعتزاله ، بل تفسّر ذلك وتبرره علىٰ أنّه الموقف السليم من الحكم ، الأمر الذي سار عليه الكتّاب والمؤرخون في تفسيرهم الظاهري لاعتزاله ، بل عزله وإقصائه (١).
ولكن ، ومع كل هذا التغييب المتعمّد أو هذا التعسف الظالم بحق الإمام السجاد عليهالسلام ، إلّا أن مواقفه وكلماته وسيرته تحدّت حجب الزمن وركام التاريخ وغبار المدوّنات الظالمة ، وتركت لنا منه سفراً خالداً يجدر بالكتّاب والباحثين المعاصرين أن يقرأوه أو يدرسوه قراءة متأنية أُخرىٰ ، أو دراسة تحليلية جديدة تتناسب مع موقعه باعتباره الرمز الأول في معارضة سلبية قُتل كافة رجالها في معركة غير متكافئة ، أقعده المرض عن خوضها وبقي يُقاتل وحده ، بطريقةٍ أقلّ ما يقال فيها أنّها كانت أقسىٰ من ساعة مواجهة كان يمكن أن يستشهد فيها مع اخوته وأبيه وأصحاب أبيه ويتخلص من أيام ضيم وسنيّ ألم وعقود حصار ، وملاحقة مرّة جعلت منه رمزاً منغّصاً ، وهاجساً مرعباً لسلطة الباطل ، ووجهاً لوجه أمام قوم غلاظ نزع الله من قلوبهم الرحمة ، فراحوا يعدّون عليه أنفاسه ويلجأون إلىٰ شتىٰ الوسائل لاِنهائه والاجهاز عليه وإلحاقه بمن سبقه من سلالة هذا البيت الطاهر الكريم...
_______________________
(١) راجع : نظرية الإمامة / صبحي الصالح : ٣٤٩ ، وحياة الإمام علي بن الحسين عليهالسلام : ٣٢٠ ، وثورة زيد / ناجي حسن : ٣٠ ـ ٣١ ، والفكر الشيعي والنزاعات الصوفية / الشيبي : ١٧. والصلة بين التصوف والتشيع : ١٠٤ و ١٠٧.