إلى أن تقول : «وحاول المختار بن أبي عبيدة الثقفي أن ينتزع علياً من حياة التعبّد والاشتغال بالعلم إلىٰ ميادين السياسة دون جدوىٰ... » (١).
حين أوغل الزهري في دائرة الحكم الأموي الغاشم ، والتحق ببلاط السلطة بالكامل ، وحين لم يبق أمام الإمام بدّ من كشف الزيف في هذه المواقف ونفاقيتها ونفعيتها ، ورغم ماقد يكلفه هذا الكشف من ضريبة ربما تكون باهضة.. إلّا أن الإمام كتب إلىٰ الزهري كتاباً ضمّنه أدّق الخيوط سياسةً وعمقاً ، ورواه العامة والخاصة ، ونقله العديد من المؤرخين وكتّاب السير بفروق بسيطة.
قال الغزالي ما نصه : (إنّ هذه الرسالة كُتبت إلىٰ الزهري لما خالط السلطان) (٢) ، كما رواها ابن شعبة (٣) وآخرون.. وفيما يلي بعض نصوص هذه الوثيقة السياسية السجادية التاريخية الدقيقة ، نتركها بلا تعليق أولاً ، ثم نتبعها بشيء من التعليق فيما بعد :
« ... أما بعد.. كفانا الله وإياك من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصحَّ من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حججه الله بما حمّلك من كتابه ، وفقّهك من دينه ، وعرّفك من سُنّة نبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فرضي لك في
_______________________
(١) د. سميرة الليثي / جهاد الشيعة : ٢٩.
(٢) إحياء علوم الدين / الغزالي ٢ : ١٤٣. والمحجة البيضاء في إحياء الأحياء ٣ : ٢٦٠.
(٣) تحف العقول : ٢٧٤. والمحجة البيضاء ٣ : ٢٦٠.