ومن هنا كان أمام الإمام عليهالسلام أحد طريقين : إمّا الاحتراق بهوس تلك الصراعات والضياع في خضمّ اصطكاك سيوف رجالها المتنافسين المتصارعين علىٰ الجاه والسلطة والمال.
وإمّا الابتعاد عن ذلك الهوس السياسي والصخب الدموي لحين انجلاء الغبرة ، والنأي بعيداً عن ذلك بالانشغال ببلورة الفكر الإسلامي المغيّر وإعداد النخبة الصالحة التي تذكّر بالصفوة المجزّرة من آل بيت المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم التي لم يبقَ منها أحد سوىٰ هذا العبد الصالح المقصي البكّاء الحزين...
اختار الإمام الطريق الثاني بالتأكيد ، وراح يعدّ العدّة لإعداد المجموعة الصالحة المؤهّلة لحمل رسالة جدّه المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم في تلك الأجواء العابثة الملبّدة ، وكان عليه أن يُشعر السلطة الظالمة قبل غيرها ، أنه ابتعد عن معترك الصراع السياسي ، واعتزل الحياة العامّة ، منشغلاً بعبادة ربّه ، منصرفاً عن مشاغل الدنيا ومتاعبها.. فكان (أن ضربَ له بيتاً من الشعر خارج المدينة وتفرّغ فيه للعبادة والابتهال) (١).
ومن ذلك المكان النائي ، ومن تلك الخيمة المتواضعة وبهذا السلوك أو المنهج استطاع الإمام تحقيق الأهداف التالية :
١ ـ إشعار الناس والمجتمع أن العمل السياسي ليس هو وحده الكفيل بتشكيل النخبة المغيّرة القادرة علىٰ قيادة المشروع الإسلامي المغيّب من
_______________________
(١) الإمام زين العابدين / عبد الرزاق المقرّم : ٤٢.