المؤسف في قراءات ودراسات الكثير من المؤرخين والمحللين السياسيين هو ارتباكهم وعدم دقّتهم في تحديد أدوار أئمة أهل البيت عليهمالسلام وتفكيك مدرستهم الفكرية والسياسية في تعاملهم مع السلطات ، وكذلك عدم قدرة هؤلاء المحللين علىٰ إدراك حكمة تنوّع تلك الأدوار وفلسفتها وعدم استيعاب حرص الأئمة علىٰ الاحتفاظ بوحدة هدفهم في المحافظة علىٰ الإسلام عقيدةً وشريعةً ، نظريةً ومنهاجاً.
يأخذ بعض هؤلاء المحللين دور الإمام الحسن عليهالسلام مثلاً في صلحه مع معاوية ، ويقومون بتفكيكه بعيداً عن ظروفه وأهدافه ، فيُظهرونه (سلام الله عليه) مصالحاً مساوماً متنازلاً قد رضي بانصاف الحلول مؤيداً ومبايعاً ، بعيدين عن الإنصاف والحقّ طبعاً ، وبعيدين عن الدراسة التحليلية المتأنية التي تضفي علىٰ البحث العلمي رصانته وموضوعيته ، وللحدِّ الذي يسفّ البعض فيصفه ـ عليهالسلام ـ بأنّه مذلّ المؤمنين ـ كما خاطبه أحد أعوانه يوماً ـ متناسين رأي أبيه فيه في صفين حين قال : « إملكوا عني هذا الغلام ، لشدّة مراسه في الحرب والقتال » ومتجاهلين موقفه هو نفسه ـ سلام الله عليه ـ حين خاطب جيشه قائلاً : « ألا إنّ معاوية دعانا لأمر (يقصد الصلح) ليس فيه عزّ ولا نصفة ، فإن أردتم الموت رددناه عليه ، وحاكمناه إلىٰ الله تعالىٰ بظبا السيوف ، وإن أردتم الحياة الدنيا ، قبلنا وأخذنا لكم الرضا... » فإذا بالناس من كل جانب ومكان يهتفون ويصرخون ويولولون : «البقية ... البقية» !! (١).
فتجرّع ـ سلام الله عليه ـ مرارة ذلك الوصف وقساوة تلك التهمة علىٰ
_______________________
(١) الكامل في التاريخ / ابن الاَثير ٣ : ٢٠٤ ، ٢١٧.