وهكذا ، مما لا عدّ له ولا حصر في إحصاء زوايا النفس الإنسانية والتنقيب عن مكنوناتها النبيلة في حبّ الآخرين والرفق بهم والعطف عليهم و (مواساتهم بالماعون) ـ لاحظ الدقة ـ ونُصحهم والانتصار لمظلومهم وتعهّد قادمهم وما ذكره وردّده ومازالت تذكره وتردده الأجيال جيلاً بعد جيل رغم تعاقب الدهور والعصور..
وأكثر من ذلك ، أنه عليهالسلام كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامىٰ والأضرّاء والزمنىٰ (أي أصحاب العاهات المزمنة) والمساكين الذين لا حيلة لهم ، وكان يناولهم الطعام بيده محبّاً مشفقاً متودداً ، أما من كان له عيال ، فكان يحمل له من طعامه إلىٰ عياله ، وإذا أتاه سائل يسأله كان يجيب : « مرحباً بمن يحمل زادي إلىٰ الآخرة » (١) ، مذكّراً بمقولة جدّته الزهراء عليهاالسلام ومجسّداً لمواقفها العظيمة مع من كان يطرق بابها من الفقراء ، فلا تردّهم ، رغم حاجتها وحاجة أطفالها ، بل كانت تقول : « كيف أردُّ الخير وقد طرق بابي ، أو نزل ببابي » (٢).
أما عن الانفاق فلم يكن عليهالسلام يفكك بين الروح والمادة ، وبين الحقوق والواجبات ، وبين متطلبات الجسم وتحليقات الروح ، بل كان يجسّد المثال الأروع في الانفاق من خير ما يحب المرء ، وكان دائماً يردد كلام الله جلَّ وعلا : ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) (٣).
_______________________
(١) المجالس السنية ٥ : ٤٢٢.
(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٧٣.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٩٢.