قائلاً (ياحسين ألا تتقي الله : تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الاُمة) (١).
وأكثر من ذلك حين يواجه المرء نداءات تخرج من هنا وهناك في أرض المعركة ، تقول (الزموا طاعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرَقَ من الدين وخالف إمام المسلمين) وفي رواية اُخرىٰ (أمير المؤمنين) (٢).
وحين يسمع عفوية ذلك الشيخ الكبير الذي لا يعرف من الامور شيئاً ، فراح يواجه السبايا عند دخولهم الشام بقوله : (الحمدُ لله الذي أهلككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم وأمكنَ منكم أمير المؤمنين يزيد) (٣).
تكون الرزية أكبر علىٰ الإمام السجاد عليهالسلام ، ويكون نشيجه هو المتنفّس الوحيد للتعبير عن الألم والمرارة ، وهو تحت مخالب اللئام وصليل سيوفهم وقعقعة رماحهم.
في هذا الجو الاِعلامي الماكر ، ومن هذا الفضاء الملبّد بكل تهويمات التضليل ، والتكتم والتعتيم علىٰ أعظم ثائر وأعظم ثورة أرادت أن تعيد الحق إلىٰ نصابه ، وتستنهض الضمائر الميّتة وبتضحية قلّ نظيرها في التاريخ البشري انتصاراً للدين المضيّع والحدود المستباحة ، كان علىٰ الإمام السجاد أن ينتهج أحد خيارين :
_______________________
(١) راجع : تاريخ الطبري ٤ : ٢٨٩ ، والقول هذا منسوب إلىٰ يحيىٰ بن سعيد الذي أرسله أمير مكة لإرجاع الحسين وثنيه عن التوجه إلىٰ العراق.
(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٣٣١.
(٣) الإمام السجاد / حسين باقر : ١٠٢.