إشاراته وتلميحاته وإثاراته.
وإذا أردنا أن نضيف شيئاً جديداً ، فإنّه لا يعدو أكثر من قراءة شبه متأنية لبعض مواقف الإمام السجاد عليهالسلام من الظالمين وأعوانهم ، وكذلك مواقفه من بعض الحركات الشيعية التي تفجّرت في زمانه ، وكيف انتقل من مرحلة التقية المؤلمة إلىٰ مرحلة المواجهة الساخنة ، لا سيّما بعد أن استنفذ دوره التبليغي الصامت ، وارتأىٰ أنّه لابدّ أن ينتقل من المرحلة السلبية السرية الصامتة إلىٰ مرحلة الإعلان الاقتحامي الواضح ، خاصة وإنّه أدرك أن خصومه قاتلوه لا محالة ، وأنهم لم يعودوا يستطيعون الصبر عليه ، والتغاضي عن دوره في تأليب الاُمّة ضدهم وتحشيد غضبها وإثارة سخطها.
لعلّ أول موقف سياسي حكيم كان علىٰ الإمام عليهالسلام أن يتخذه بعد عودته إلىٰ المدينة ، وبعد أيام من مشاعر الحداد والنحيب التي أجّجها في نفوس أهلها ، والتي قدّر عليهالسلام أنّها لم تتعدّ أن تكون حالات عاطفية صادقة ، تفجّرت بسبب شعورهم بالإثم جرّاء عدم خروجهم مع الحسين عليهالسلام ونصرته أولاً ، وفجيعتهم بمصرع ابن بنت نبيهم ثانياً ، هو أن ينأىٰ بعيداً عن الناس الذين أدرك ضعفهم وخواءهم في لحظات المواجهة الساخنة مع الأعداء ، فاتخذ خيمةً في البادية ، واستظلّ ببيتٍ من بيوت الشعر في فيافيها مع مجموعةٍ من عياله وأهل بيته وخلص شيعته.