نعم ، اتخذ الإمام السجاد عليهالسلام هذا الموقف ليعمّق الشعور بالذنب لدىٰ أهل المدينة الذين خذلوا أباه ، واكتفوا بالبكاء أو التباكي معه حين عودته أولاً ، ولكي يتحاشىٰ الاصطدام بالحكّام الأمويين الذين سيستهدفونه حتماً إذا أحسوا منه أي بادرةٍ أو همسةٍ للتحريض ضد حكمهم ثانياً ، (فبقي خارج المدينة من سنة ٦١ هـ إلىٰ نهاية سنة ٦٣ هـ وكان يسير من البادية بمقامه إلىٰ العراق زائراً لأبيه وجده عليهماالسلام ولا يُشعر بذلك من فعله) (١).
وفعلاً ، وحين أحسّ الأمويون بتململ أهل المدينة جاءت واقعة الحرّة المعروفة التي استباح فيها مسلم بن عقبة هذه المدينة ، وأباح فيها القتل والسبي والاعتداء الوحشي ، وكأن أول (قصاص) غيبي حلّ بأهلها الذين لم يفعلوا شيئاً حين توديع الحسين عليهالسلام ، إلّا أن رمقوه بعيون منكسرة وقلوب متألمة لا تغني ساعة الموت عن الحق شيئاً ، قد جاء علىٰ يدي من سُمّي (مُسرف بن عقبة) هذا أو (مجرم بن عقبة) ، ويؤكد الشيخ المفيد في إرشاده ، أنّ مسرف بن عقبة هذا كان في بدايته لا يريد إلّا قتل علي بن الحسين عليهالسلام ، وحين لم يجد لقتله حجّة ، اكتفىٰ أن أباح المدينة ثلاثة أيام بأمر يزيد ، وقد انفضّت فيها ألف عذراء ، وولد مئات الأبناء لا يُعرف آباؤهم ، وكان من بينهن بنات ونساء صحابة ... (٢).
نعم ، اتخذ الإمام السجاد عليهالسلام تلك الخيمة النائية مأوىً له ، ولم يجد
_______________________
(١) راجع فرحة الغري / ابن طاووس : ٤٣. والإمام زين العابدين / المقرم : ٤٢.
(٢) راجع : دلائل البيهقي ٦ : ٤٧٥. والارشاد / المفيد : ٢٩٢. ويقول اليعقوبي في تاريخه : إنّ هذا المجرم (أباح حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتىٰ ولدت الاَبكار لا يُعرف من أولدهنّ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٠.