وإنّه كان بعيداً عنه ولم يكن الإمام يعرف مكنون توجهاته ونواياه ، إلىٰ قائل : إنّ المختار لم يتحرك إلّا تحت إشارته وتلقّي الضوء الأخضر منه ، وهكذا بين مشرّق ومغرّب ويمين ويسار.
أمام هذه المفارقات أو المفترقات لابدّ من القول أن الطريق الأفضل لأن يستكمل الإمام كافة أهدافه ، كان عليه توزيع الأدوار وعدم الانجرار إلىٰ لعبة السياسة القذرة ، والاحتفاظ بالقدر المعقول من حلقاتها التي يستفيد منها القائد ، ولكن لا أن يقع في مستنقعها الآسن ، فتحسب عليه بعض شطحاتها والتواءاتها وتجاوزاتها...
هذه الموازنة الدقيقة أو المعادلة الصعبة ، لم يكن من السهل علىٰ الإمام السجاد عليهالسلام عبورها أو تمريرها ، لاسيّما وانه كان يمارس عمله تحت الأضواء وفي الهواء الطلق وتحت رقابة العيون والجواسيس من جهة ، وبالتالي فلا ينبغي أن يوحي للسلطة أنّه معارض يبغي الحكم والسلطة ، ولكنه من جهة اُخرىٰ يريد التأكيد علىٰ أنّه وصي ووريث ذلك الإمام العظيم الذي ستبقىٰ حرقة قتله تلتهب في نفس كلِّ شريف عرفه وعايشه وعاشره ، فضلاً عن كونه نجله وولده والمفجوع الأول بقتله والمسؤول عن الثأر له ومواصلة طريقه ، فضلاً عن أنّه حامل رسالته ومؤدي أماناته وامتداده والإمام المستخلف من بعده علىٰ البلاد والعباد...
هكذا كان الإمام السجاد يحيا ، وهكذا كانت تمر أيام حياته وساعاته غصّة بعد غصّة ، وألماً بعد ألم ، والمهمة تكبر وتكبر ، وعليه إتمام المشوار وإكمال الشوط إلىٰ النهاية.
فهو من جهة لا يريد المغامرة بتركةٍ
ثقيلة عليه أداؤها في تبليغ الرسالة وحمل الأمانة وبلورة أحكام الدين التي سفّهها حكام بني أمية وجعلوها