ومن حوارات الإمام الساخنة مع بعض أعوان الظلمة ردّه علىٰ الزهري هذا الذي قال للإمام يوماً : (كان معاوية يُسكته الحلم ، ويُنطقه العلم) !! فقال الإمام : « كذبت يا زهري ، كان يُسكته الحصر ، وينطقه البطَر » (١).
وأكثر من ذلك تقريعه الزهري وعروة بن الزبير وهما جالسان في مسجد المدينة ينالان من الإمام علي عليهالسلام ، فبلغه ذلك ، فجاء حتى وقف عليهما ، فقال : « أما أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك الى الله ، فحكم لأبي على أبيك! وأما أنت يا زهري فلو كنت بمكة لاَريتك كِيرَ أبيك » (٢).
ولنا مع الزهري هذا وموقف الإمام منه ، الجولة الأخيرة في هذا البحث الموجز المقتضب.. فإلىٰ حين يأتي هذا المشوار ، وما أخفاه أو يخفيه في سطوره وكلماته ودقّة معانيه وعباراته... نقف عند كلمات الإمام السجاد عليهالسلام التي يوجهها من محرابه دروساً يستنير بها المظلومون ، وسهاماً في نحور الظالمين.
«اللهمّ إنّ الظَلَمة جحدوا آياتك ، وكفروا بكتابك ، وكذّبوا رسلك واستنكفوا عن عبادتك ، ورغبوا عن ملّة خليلك ، وبدّلوا ما جاء به رسولك ، وشرّعوا غير دينك ، واقتدوا بغير هداك ، واستنّوا بغير سنّتك ، وتعدّوا حدودك ، وتعاونوا علىٰ إطفاء نورك ، وصدّوا عن سبيلك ، وكفروا نعماءك ، ولم يذكروا آلاءك ، وأمنوا مكرك ، وقست قلوبهم عن ذكرك ، واجترأوا علىٰ معصيتك ، ولم يخافوا مقتك ، ولم يحذروا بأسك واغترّوا بنعمتك...».
ويواصل عليهالسلام بيانه السياسي العبادي الغاضب هذا ، مستنهضاً متمرداً
_______________________
(١) الاعتصام ٢ : ٢٥٧. ونزهة الناظر : ٤٣.
(٢) شرح نهج البلاغة ٤ : ١٠٢.