« لقد سهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه ، وأنك سوف تُسأل عمّا أخذت بإعانتك علىٰ ظلم الظلمة.. » الذين « جعلوك قطباً أداروا بك رحىٰ مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلىٰ بلاياهم وسلّماً إلىٰ ضلالتهم » ! وغير ذلك مما يعدّ وثيقة سياسية دقيقة جداً ومعبّرة جداً لكلِّ من يحاول تبرير قربه من الظلمة أو إدعائه إصلاحهم بوعظه وإرشاده ونصائحه...
ولعلّ الموقف من أعوان الظلمة هذا هو أدّق الخيوط في نسيج التعامل السياسي الذي ينبغي غزله أو السير فيه بدقّة وحذر متناهيين...
ولذلك نرىٰ الإمام يدعو لأهل الثغور في دعائه المعروف «دعاء الثغور» تارة ، قبال عدوّ مشترك تنكمش لتحدّيه الجزئيات أمام الكليات ، فيما نراه يندّد بحكام الثغور وأعوانهم وظلمهم وتعسفهم تارة اُخرىٰ في الدائرة الأضيق ، أو ما يُسمىٰ في المصطلح الحديث «النقد داخل البيت» وبهذا الاسلوب المندد المقرع : « والله ما قمت له مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ، أو أمتّ له فيه باطلاً » !
فمن هذه المداخلات ، إذن ، ومن هذه الخيوط الدقيقة تجب دراسة الإمام السجاد وقراءة مواقفه قبل الحكم له أو عليه عليهالسلام. ومن هذه القراءة يمكن أن تُفهم منطلقات الإمام وأهدافه في سكوته أو كلامه ، وفي عزلته أو تصديه وفي صمته أو ثورته ، لاسيّما وهو القائل في ردّه علىٰ من يقول (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب).. « لكلِّ واحد منهما آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت » وأضاف : « لأنّ الله عزَّ وجلّ ، ما بعث الأنبياء ، والأوصياء بالسكوت ، وإنما بعثهم بالكلام ، ولا استُحقت الجنة بالسكوت.. ولا استُوجبت ولاية الله بالسكوت ، ولا توقيت النار بالسكوت ! ».