مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ! أو أمّتُ له فيه باطلاً!! أفهذا شكرك من استحملك ؟! ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالىٰ في كتابه : ( أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا )(١)استحملك كتابه ، واستودعك علمه ، فأضعتهما ! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ! والسلام... (٢).
وهكذا يتّضح من سطور هذه الرسالة وحروفها وكلماتها ، أنّ الإمام السجاد عليهالسلام دخل في مواجهة مكشوفة مع السلطة الحاكمة ، عبر تنديده العلني هذا بأحد رموزها ، المقربين من بلاطها ، أي عبر تحذيره وإنذاره وتوبيخه وتأنيبه له : « مالك لا تنتبه من نعستك ؟ ولا تستقيل من عثرتك ؟ »... « أما ترىٰ ما أنت فيه من الجهل والغرّة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟ ».
إذن ، وبايجاز جليّ وواضح ، وكلمات ساطعة صادحة ، كشف الإمام ، من خلال هذه الرسالة ، كل الخيوط المخفية التي يتستر بها وعّاظ السلاطين عادة ، للتعتيم علىٰ نفعيتهم ووصوليتهم ولصوصيتهم (٣)..
_______________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٥٩.
(٢) وردت الرسالة في تحف العقول : ٢٧٤ ـ ٢٧٧. ورواها الحائري في بلاغة علي بن الحسين عليهالسلام : ١٢٢ ـ ١٢٦. ورواها المقرّم في الإمام زين العابدين : ١٥٤ ـ ١٥٩. ورواها الغزالي في إحياء علوم الدين ٢ : ١٤٣.
(٣) جاء في كتاب «الكشكول» المعروف لبهاء الدين العاملي ما نصه : (إذا رأيت العالم يلازم السلطان فاعلم أنه لص. وإياك أن تُخدع بما يقال إنّه يردّ مظلمة أو يدافع عن مظلوم ٠ فان هذه خدعة ابليس اتخذها فخّاً والعلماء سلّما ً) راجع كتاب الفقيه والسلطان / د. وجيه كوثراني : ١٥٥.