نعم ، جاءت أدعية الإمام زين العابدين عليهالسلام لمواجهة موجات الرخاء والهبوط التي تعرّض لها المجتمع الإسلامي في بداية الحكم الأموي ، فقام عليهالسلام بما امتلكه من بلاغة فريدة وقدرة فائقة علىٰ استخدام اللغة ، وذهنية ربانية تفتّقت عن أعذب المعاني وأروعها في تصوير صلة الإنسان بخالقه وهيامه به ، وانشداده بالمبدأ والمعاد ، فأوجد من خلال الدعاء فضاءً روحياً عظيماً لابناء المجتمع الإسلامي استطاع بواسطته تثبيت الإنسان المسلم وشدّه بالسماء وخاصة حين تعصف به المغريات وتجرّه إلىٰ الأرض.
فكان عليهالسلام يخطب الناس في مجلسه كل جمعة ، يعضهم ويزهّدهم في الدنيا ، وهو سيد الزاهدين ، ويُرغّبهم في الآخرة وهو أشدّ الراغبين ، ويقرع أسماعهم بتلك اللوحات الفنيّة البالغة التأثير التي مثّلت بحق العبودية الخالصة لله تعالىٰ ، فضلاً عن كونها عملاً اجتماعياً عظيماً فرضته ضرورة المرحلة التي كان يمرّ بها ، حتىٰ أضحت تلك الأدعية تراثاً ربانياً فريداً للسالكين طريق الله ، ومصدر عطاء وهداية لكلِّ من ينشد الحق ويرغب في معرفة الله حقّ معرفته ، إضافة إلىٰ كونها دروس أخلاق وتهذيب ، سيظل أهل الدنيا ينهلون من معينها العذب ما دام هناك صراع بين قوىٰ الخير وقوىٰ الشرّ ، أو بين مثابات الهدىٰ ومعسكرات الضلال...
وهكذا نسمعه عليهالسلام في فصاحته وبيانه
وبلاغته ، له في كل صباح ومساء دعاء ، وله في المهمّات دعاء ، وفي الاعترافات والظلامات دعاء ، وعند المرض والعافية دعاء ، وعند الشدّة والفزع دعاء ، وعند ذكر الموت وسماع الرعد والرهبة دعاء ، وفي استقبال شهر رمضان المبارك وتوديعه دعاء ، وعند ختم القرآن ويوم عرفة وأيام الأسبوع دعاء ودعاء ، وهكذا