خالداً ـ سنأتي علىٰ ذكر بعض تفاصيله لاحقاً ـ من التربية والتهذيب والتصدّي والدعوة إلىٰ الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله واستحضار قيم الدين وتفعيل مضامينه وبثّ الروح في مواعظه وإرشاداته.
ولم يُخطئ من وصف (الصحيفة السجادية) للإمام زين العابدين عليهالسلام بأنّها (زبور آل محمد) ، ولم يُجانب الصواب كثيراً من قرأ الإمام السجاد من زاوية التهجّد والعرفان وعلاقته عليهالسلام مع السماء فقط ، فلعله عليهالسلام أراد بتلك الأدعية ـ كما قلنا ـ كبح الانجرار الهابط إلىٰ وحل الأرض وطينها ، والوقوف أمام التيار المادي الجارف الذي روّجه وعزف عليه وأشاعه الإعلام الأموي المتلفّع بشعارات الدين زوراً وإفكاً...
ومن قراءة سريعة في هذه «الصحيفة الخالدة» يكتشف المرء عمق العلاقة بين الإمام زين العابدين وربّه ، وكيف انه غاص في أعماق النفس الإنسانية ، وراح يشدّ حبلها بحبل السماء الذي قطعته السياسة الأموية ، ومزّقت أوصاله تداعياتها ، وانحطاط رجالها وتهافتهم علىٰ الدنيا وحطامها..
نعم ، استطاع الإمام السجاد عليهالسلام بهذا الاتجاه وبسبب الأجواء الخانقة التي أشرنا إليها تلميحاً أن يترك لنا سفراً خالداً في المناجاة والتبتّل والابتهال ، فأعاد موازنة العقل مع القلب ، والفكر مع الروح ، واستطاع بصدقه ودموعه وشجونه ولوعته أن يرسم لنا لوحةً صادقةً عن العرفان الهادف ، والتصوف الصادق ، والاتصال المسؤول الذي يهفو إلىٰ السماء ولا ينسىٰ الأرض ، ويسأل الله سعادة أهل الآخرة ، ولا ينسىٰ شقاء أهل الدنيا ، ويطلب رضا الخالق فيما يناشد ضمائر المخلوقين..