وبكلمة اُخرىٰ استطاع الإمام السجاد عليهالسلام بهذه العبارة أن يواجه بُعدين ، كلّ منهما سيف ذو حدّين : بُعد الذات التي هي ألدُّ أعداء المرء (١) من جهة ، وهي كرامته وكبرياؤه وعزّته من جهة اُخرىٰ ، وبُعدُ الناس الذين هم ميزان العلاقة ومعيار إنسانية الإنسان من جانبٍ ، وهم الهمج الرعاع الذين يصعب إرضاؤهم وربما يستحيل (٢) من جانب آخر...
وهذا يعني أنّه لم يختفِ أو يحاول الاختفاء ، وراء النص ، كما يفعل الكثيرون ، ولم يحاول التخلّق بأخلاقٍ عالية ربما يكون شعارها النص ومضمونها المخاتلة به والتماهي معه ، وإنّما أراد أن يكون شعاره وخلقه ، نصّه ومضمونه ، متوازنين لا تطغىٰ فيه كفّة علىٰ اُخرىٰ ، ولا زعم علىٰ واقع ، أو واقع علىٰ ادّعاء.
وهكذا ، ومن هذا النص وغيره ، وكما يقول بعض المحللين لشخصية الإمام السجّاد عليهالسلام ، إنّه استطاع في الظروف العصيبة التي عاشها عليهالسلام أن يوظّف كل الجهود الممكنة وفي منهج إحيائي حركي لتعميم الثقافة الإسلامية المطلوبة ، وإشاعة التفكير الإسلامي السليم ، أي عبر الدعوة للتفكير الصحيح من خلال الدعاء الذي ورد في هذه الصحيفة التي تنوّعت أبعاده وتعددت آفاقه ليشكل بمجموعه منهجاً كاملاً يأخذ طابع المدرسة الشاملة والثقافة الشمولية المتكاملة التي تملأ كل الفراغات وتغطي كل الثغرات في جسم المجتمع الإسلامي والنموذج المسلم.
فهو ، من جانب ، يغوص في أعماق النفس الإنسانية مدغدغاً أدقّ نوازعها محلحلاً بواطنها ومكنوناتها ، كابحاً لشططها وطيشها وشطحاتها
_______________________
(١) كما روي في الحديث الشريف : « ألدُّ أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه ».
(٢) (رضا الناس غايةٌ لا تدرك).