مهمة الأنبياء والمصلحين الإلهيين الكبار ، فهي إلىٰ جانب شدّ الإنسان وربطه بالسماء ، تجعله في الأرض بؤرة خير ورحمة ، شديد البأس في ذات الله لا يرضىٰ بظلم ، ولا يرضخ إلىٰ باطل ، قوي العزيمة ، وإنّك لتلمس هذا المنهج بين ثنايا دعائه عليهالسلام في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال..
ففي هذا الدعاء ـ مثلاً ـ نلتقي بقوله عليهالسلام وهو ينشدُّ إلىٰ أعماق الأرض ، بقدر انشداده إلىٰ آفاق السماء ، ويغوص في عمق الإنسان فيما هو غارق في عمق العرفان ، فنسمعه يقول : « وأجرِ للناس علىٰ يدي الخير ، ولا تمحقه بالمنّ ، وهب لي معالي الأخلاق ، واعصمني من الفخر. اللهمَّ صلِّ علىٰ محمد وآل محمد ولا ترفعني في الناس درجة إلّا حططتني عند نفسي مثلها ، ولا تُحدث لي عزّاً ظاهراً إلّا أحدثت لي ذلّةً باطنةً عند نفسي بقدرها.. ».
فالكلمات التي يعرضها الإمام السجاد عليهالسلام هنا ـ كما في غيرها ـ تعبّر تعبيراً دقيقاً عن منهج سلوكي عظيم غارقٍ في الشفافية والروح من جهة ، ومستغرقٍ في الفكر والواقع من جهة اُخرىٰ ، فكما أنّه ارتباط عاطفي شديد الصلة متين الانشداد بربِّ العزّة تبارك وتعالىٰ ، ولكنّه من زاوية اُخرىٰ عميق الغوص في الجانب التربوي والأخلاقي والمعرفي الذي لايكتفي صاحبه خلاله بالعرفان المجرّد و (تهويماته) الجميلة ، بل يسحبه إلىٰ الواقع المعاش بكلِّ تفاصيله وخيوطه ونسيجه المعقّد.
« ولا ترفعني في الناس درجة إلّا حططتني عند نفسي مثلها » وهذه أسمىٰ وأرفع سبل تربية الذات ، ودحض الأنا ، وتجاوز الكبر ، والإجهاز علىٰ كل أشكال الغرور والهوىٰ والغطرسة الذاتية.