بن الحسين خطيئته يوم الدين » ثمّ قال : « اذهب أنت حرٌّ لوجه الله.. » (١).
ومثل ذلك الكثير الكثير ، ولم يكن الإمام بهذه المواقف أو المناقبية الفريدة ، يريد تسجيل لوحات استهلاكية للتشدّق والرياء ، ولم يكن يرغب في تدوينها للتسويق السياسي والتجارة ، وإنّما كانت سجيّته هكذا ، بل كانت أخلاقه ملكة لم يستطع أكثر أعدائه خصومةً له ، تسجيلها عليه علىٰ أنها نوازع خاصة لأهداف مبيّتة يرغب في تسويقها من أجل اكتساب السمعة أو الشهرة أو توسيع دائرة المعجبين والمحبين ، كما يفعل الكثيرون.
ولعلَّ (صدقة السر) المنسوبة له عليهالسلام تجسيدٌ مثاليٌ رائعٌ لهذه الملكة الخالدة والسجية العظيمة ، فكان يسمىٰ (صاحب الجراب) ؛ إذ كان يقصد بجرابه فقراء المسلمين ليلاً ملثماً ، فيقرع أبوابهم باباً باباً ليضع ما يضعه أمامها في جوف الليل من طعام أو صرّة مال ، ولم يكن ليعرف المسلمون (صاحب الجراب) هذا حتىٰ مات عليهالسلام حيث كشف بعض خواصه كلمته الخالدة : « إنّ صدقة السرّ ، أو صدقة الليل تطفىء غضب الرب » لتبقىٰ شعاراً خالداً يندّد بالمرائين وتجار السياسة وعشّاق الوجاهة والرئاسة وشُرّاء الذمم والأصوات..
منقبة اُخرىٰ ، بل مناقبية اُخرىٰ ، تكشف هذه السجية في شخصيته ، خلاصتها أنه عليهالسلام كان يحصي علىٰ عبيده أخطاءهم في شهر رمضان ، ويسجّل ذلك عليهم دون علمهم ، ودون أن يعاقبهم أو يُقرّعهم أو يحاسبهم حتىٰ إذا جاء عيد الفطر جمعهم ، وأخذ يذكّرهم بأخطائهم وذنوبهم أثناء الشهر الكريم مع تحديد الوقت والخطأ الذي ارتكبه كلّ
_______________________
(١) البحار ٤٦ : باب ٥ ـ ٥٩.