وكما كان عليهالسلام يرتعد من خشية الله أثناء عبادته إذ كان يصفّر وجهه إذا توضّأ للصلاة ـ كما يذكر الرواة ـ وهو يقول : « أتدرون من سأُناجي بعد قليل وأمام من ؟ وبين يدي من سأقف ؟! » (١)..
وكما يُروىٰ عن حريق شبّ يوماً في داره وحين قيل له : النار النار يا ابن رسول الله ، لم يكترث حتىٰ أُطفئت فقيل له : ما الذي ألهاك عن النار ؟ قال : « ألهتني النار الكبرىٰ » (٢).
أقول : كما كان الإمام كذلك في تجسيده لخشية الله وذوبانه في حبّ ربِّ العباد ، كان تجسيده لحبّه لعبيده ورفقه بهم بعيداً عن التمظهر والافتعال والإدّعاء أو الرياء...
تذكر الروايات أنه عليهالسلام تفقّد يوماً ضيعةً له ، فوجد أنّه أصابها فساد كبير بسبب إهمال غلامه لها وعدم اكتراثه لرعايتها ، فغضب لذلك وقرع المولىٰ بسوط كان في يده.. وما أن استرجع حتىٰ ندم علىٰ قرعه الغلام ، فاعتذر منه وأعطىٰ السوط للغلام ليقتصّ منه ، فأبىٰ الغلام ، بل راح يقبّل يد الإمام ، فقال له عليهالسلام : « أما إذا أبيت ، فالضيعة صدقة عليك ، وأعطاها إياه... » (٣).
وضرب يوماً غلاماً تباطأ في عملٍ أرسله لإنجازه ، فقال له الغلام تبعثني في حاجتك ثم تضربني ! فبكىٰ الإمام وقال له في الحال « يا بني اذهب إلىٰ قبر رسول الله فصلِّ ركعتين ثم قُل : اللهمّ اغفر لعلي
_______________________
(١) سيرة الأئمة الأثني عشر : ١٦٠.
(٢) مختصر تأريخ دمشق ١٧ : ٣٣٦ / ١٣٤. وسير أعلام النبلاء ٤ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ / ١٥٧. ومناقب آل أبي طالب ٤ : ١٤٧ ـ ١٤٨.
(٣) البحار ٤٦ : باب ٥ ـ ٨٥.