وراحلتي رجلاي ، وقصدي مولاي ».
وينقل رواة سيرته أنّه قضىٰ معظم أيام حياته صائماً ، وقد سُئلت جاريته عن عبادته ، فأجابت : (ما قدمتُ له طعاماً في نهار قط ، وقد أحبّ الصوم وحثّ عليه ، وكان يقول : « إنّ الله تعالىٰ وكّل ملائكة بالصائمين.. » (١).
وهذا يعني أنّه عليهالسلام لم يحاول ترسيخ القيم والمبادىء عبر الأدعية والمواعظ وتصدير الشعارات كما يفعل محترفو السياسة وتجّارها ، وإنّما كان يقرن القول بالفعل ، والشعار بالسلوك ، وكان في إنفاقه هذا يؤكد زهده بالمال وعدم اكتراثه به ، وأنه إنّما كان ينفقه باعتباره مال الله وهو مستخلف عليه ليس إلّا ، وإنّه بتأكيده علىٰ تفقّد الأرامل واليتامىٰ والفقراء إنّما أراد أن يفضح أولئك الذين يتشدّقون بشعارات الإسلام ويتلفّعون بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهم أبعد الناس عن تطبيقها أو تجسيدها علىٰ أرض الواقع ، فضلاً عمّا كان يضمره في الاستخفاف بعلماء السوء وفقهاء السلاطين الذي وصفهم القول المأثور : « إنّهم يُزهّدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ، ويرغّبونهم في الآخرة ولا يرغبون ، يُقرّبون الأغنياء ويُبعّدون الفقراء » (٢).
وباختصار شديد ، أنّه عليهالسلام بإنفاقه وزهده كان مثال القائد العظيم الذي لا يرفع شعارات الحفاة والجياع للتجارة والاستهلاك والتسويق السياسي ، وإنّما كان يقرن ذلك بالترجمة والسلوك ، وهذا جزء من رسالته التي ادّخره
_______________________
(١) حياة الإمام زين العابدين / باقر شريف القرشي : ٢٠٣.
(٢) العقد الفريد ٢ : ٢٢٧ ، طبعة دار الكتاب ـ بيروت ١٤٠٣ هـ. والقول منسوب للسيد المسيح عليهالسلام.