الإيمان بعد ذلك ، وموطن عدمه أيضاً ، في قوله تعالى ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) (١) ، وقوله تعالى : ( لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) (٢).
من جميع ما تقدّم وسواه من واسع فيض كلامه سبحانه ، نستنتج أنّ القلب هو الموطن الذي استهدف رسل الله ايناعه وعملوا على انباض جنباته بالنور ، وهو مركز استقطاب هذا النور ، وهو الذي تتعيّن الفطرة في عمقه ، فإن حجب عمي ، ولا يستوي حين ذاك صاحبه مع من لا يرى إلى أين ولا كيف يسير ، وعلى هذا القلب أن لا يتباطأ منذ الآن ، ثم التعرف على هداته من أجل التقاط خيط النور ، والإفلات من ضلالات الظلمة.
وإنّ الله سبحانه بما خصّ به مخلوقاته من حبّ ، بأن أفاض عليهم نعمة الوجود ، لعالمٌ بسرائرهم ، كما هو عالم بما يصرفهم عن حقيقة بحثهم ودأبهم نحو مثالهم وكمالهم ، فواتر فيهم أنبيائه منذ أقدم عهودهم ، وأيدهم برجالات ينصرونهم ، وتمايزت القلوب في المؤيدين ، وتفاوتت منازلها كلٌّ بمقدار ، إلاّ أنّه سبحانه لم يخل الأرض من هاد أبداً ، وهذا الشأن يلاحظ في قوله تعالى : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) (٣) ، فهو يدلّ على أن الهداة لا ينقطعون من
__________________
١ ـ الحجرات : ١٤.
٢ ـ المائدة : ٤١.
٣ ـ الرعد : ٧.