يتضح لنا من خلال هذا أنّ الناس يوقنون ، ثم يتبدلون ، ثم يرجعون ، ومنهم من يفجر فلا يملك طريقاً إلى نور ربّه فيضل ضلالا ، بحيث يصبح قلبه في دياجي الظلمات ، وترسخ هذه الظلمات في وجودة ، فينطبق عليه القول أنّه ضلَّ بما لا يمكن بعد ذلك شيء من الرجوع ، ويصدق عليه قوله سبحانه : ( فلن تجد له وليّاً مرشدا ) (١) ، لأنّه أقفل على قلبه ، وغادر فطرته إلى الأبد ، فلا ملاذ له ولا إمام له فهو في عتمة لا نور فيها.
وفي الناس من تلج الظلمة قلبه ، ويستغرق فيها ردحاً ، ثم تتجه خطا نفسه نحو تطلعات النور ، فتقترب منه تدريجياً إلى أن تلوذ به ، وتتحسس آنئذ بواعث الرحمة والهدى ، وتنكشف على إمامها ، وتتوب من ذاك الذي أقلقها لحين من الدهر.
ونتبيّن أيضاً أن راية الحق هي راية النور ، التي يخرج بها الله الناس من الظلمات تحملها الأنبياء ، فتنشر ضياءها إلى الناس ، وعند مغادرة النبي يحملها من يقوم مقامه.
وأي مقام هذا؟ ، بدون شك هذه ليست وظيفة إدارية ، ولا هي زعامة سياسية أو عسكرية! أظن أنّ القارئ الكريم ، قد انكشفت له
__________________
١ ـ الكهف : ١٧.