بانقضائها ، مع علمه يقيناً بهذا الانقضاء ، ولهذا اوصى أمير المؤمنين عليهالسلام برفض هذه الدنيا ، قائلا : « وإن لم تحبوا تركها ، والمبلية لأجسامكم ، وإن كنتم تحبون تجديدها ، فإنّما مثلكم ومثلها كسفر سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه ، وأمّوا عَلَماً فكأنهم قد بلغوه ، وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها ، وما عسى أن يكون بقاء من له يومٌ لا يعدوه ، وطالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها » (١).
الواقع أنّ ثمة اتصال يربط ما بين هذه الحياة الخارجية ، وبين حياة أخرى يُسعى لا محالة لبلوغها ، وهي حياة أزلية محكوم بها الإنسان ، ومحتاج للتعرف عليها واكتشافها ، لكنّه يعترف دائماً أنه بمفرده لا يتمكن ـ مع ما يمتلكه من شعور عميق ـ من الوصول إليها ، وكذلك يندفع به هذا الشعور نحوها ، غير أن هذا الشعور يتدخل في تحديد مدى صفائه وخلوصه من الشوائب.
لكن الفرد قد يتمكن من الوصول إلى المواءمة بين ما يتلقاه من العالم الخارجي ، وبين ما يتدفق من أعماقه ، وهو هنا عند هذه المرحلة من التمكن سوف يستطيع يقيناً أن يلتقط إشارات دقيقة
__________________
١ ـ انظر : نهج البلاغة : الخطبة ٩٨.