فأعطى رجالا من قريش ، فقال الأنصار : يغفر الله لرسول الله يُعطِي قريشاً ويدعُنَا وسيوفنا تقطُر من دمائهم!
فجمعهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قبّة ، ولم يدع معهم أحـداً غيرهم وقال لهم : « ما كان حديثٌ بلغني عنكم؟ » ولمّا أعادوا عليه مقالتهم ، قال : « إنّي أعطي رجالا حديثٌ عهدهم بكفر ، أما ترضون أن يذهب النّاسُ بالأموالِ وترجعون إلى رحالكم برسول الله ، فوالله ما تنقلبون به خيرٌ ممّا ينقلبون به » قالوا : بلى يا رسول الله قد رضينا ، فقال لهم : « إنكم سترون بعدي أثرةٌ شديدة ، فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله على الحوض » قال أنس : فلم نصبر. ( صحيح البخاري ٤ : ٥٩ ).
ونتساءل : هل كان في الأنصار كلّهم رجلٌ واحدٌ رشيد اقتنع بما فعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واعتقد بأنَّه لا يميل مع الهوى والعاطفة ، وفهم قول الله سبحانه في هذا الصّدد : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١)؟!
فهل كان فيهم مَنْ دافَعَ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عندما قالوا : يغفر الله لرسول الله؟
كلاَّ لم يكن فيهم واحداً بمستوى الإيمان الذي اقتضتْهُ الآية الكريمة!! وقولهم بعد ذلك : بلى يا رسول الله قد رضينا ، لم يكنْ عن قناعة ، ولذلك جاءت شهادة أنس بن مالك وهو منهم في محلّها ، عندما قال : أوصانا بالصبر فلم نصبر!!
____________
(١) النساء : ٦٥.