فقال عمر : بل أمِّر الأقرع بن حابس ، قال أبو بكر : ما أردتَ إلاّ خلافي ، قال عمر : ما أردتُ خلافك ، فتمارياً حتّى ارتفعتْ أصواتهما ، فنزلت في ذلك : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) (١) حتى انقضت.
والظاهر من خلال هذه الروايات أنّ أبا بكر وعمر لم يتأدّبا بحضرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالآداب الإسلامية ، وسمحا لأنفسهما بأن يُقدّمَا بين يدي الله ورسوله بغير إذن ولا طلب منهما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبديا رأيهما في تأمير أحد من بني تميم ، ثمّ لم يكتفيا حتى تشاجرا بحضرته ، وارتفعتْ أصواتهما أمامه من غير احترام ولا مُبالاة بما تفرضه عليهما الأخلاق والآداب ، التي لا يمكن لأيّ أحد من الصّحابة أن يجهلها أو يتجاهلها ، بعد ما قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حياته في تعليمهم وتربيتهم.
ولو كانت هذه الحادثة قد وقعتْ في بداية الإسلام لالتمسنا للشيخين في ذلك عُذْراً ، ولحاولنا أن نجد لذلك بعض التأويلات.
ولكنّ الروايات تثبت بما لا يدع مجالا للشكّ بأنّ الحادثة وقعت في أواخر أيّام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ أنّ وفد بني تميم قدم على رسول الله في السنة التاسعة للهجرة ، ولم يعش بعدها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ بضعة شهور ، كما يشهد بذلك كلّ المؤرخين والمحدّثين الذين ذكروا قدوم الوفود على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتي تحدّث عنها القرآن الكريم في أواخر السور بقوله : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجاً ) (٢).
____________
(١) الحجرات : ١.
(٢) النصر : ١ ـ ٢.