وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يعتذر المعتذرون عن موقف أبي بكر وعمر بحضرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! ولو اقتصرت الرواية على الموقف الذي مثله الصحابيّان فحسب لما وسعنا النقد ولا الاعتراض ، ولكنّ الله الذي لا يستحي من الحقّ سجّلها وأنزل فيها قرآناً يُتلى ، فيه التنديد والتهديد لأبي بكر وعمر بأن يحبط الله أعمالهما إنّ عادا لمثلها!! حتى إن راوي هذه الحادثة بدأ كلامه بقوله : « كاد الخيّران أن يهلكا أبو بكر وعمر »!!
ويحاول راوي الحادثة بعد ذلك ـ وهو عبد الله بن الزبير ـ أن يُقنعنا بأنّ عمر بعد نزول هذه الآية في شأنه إذا حدّث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يسمعه صوته حتى يستفهمه ، ورغم أنّه لم يذكر ذلك عن جدّه أبي بكر ، فالتاريخ والأحداث التي ذكرها المحدّثون تُثبتُ عكس ذلك ، ويكفي أن تذكر رزيّة يوم الخميس قبل وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم بثلاثة أيام ، حتّى نجد بأنّ عمر نفسه قال قولته المشؤومة : « إنّ رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله » ، فاختلف القوم ، فمنهم من يقول : قرّبوا إلى الرسول يكتب لكم ، ومنهم من يقول مثل قول عمر ، فلمّا أكثروا اللّغط والاختلاف (١) قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع » (٢).
فالمفهوم من كثرة اللغو واللغط والاختلاف والتنازع أنّهم تجاوزوا كلّ الحدود التي رسمها الله لهم في سورة الحجرات كما مرّ. ولا يمكن اقناعنا بأنّ اختلافهم وتنازعهم ولغطهم كان هَمْساً في الآذان ، بل يُفهم من كلّ ذلك
____________
(١) صحيح البخاري ٥ : ١٣٨ كتاب المغازي ، باب مرض النبي ووفاته.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٣٧ كتاب العلم ، باب كتابة العلم.