تخوّفني ، إذا قال لي ذلك غداً قلتُ له : ولّيتُ عليهم خير أهلك (١).
وإذا كان المؤرّخون يتّفقون على استخلاف أبي بكر لعمر بدون استشارة الصّحابة ، فلنا أن نقول بأنّه استخلفه رغم أنف الصّحابة وهم له كارهون ، وسواء أقال ابن قتيبة : « دخل عليه المهاجرون والأنصار فقال : قد علمت بوائقه فينا » أم كما قال غيره : « دخل عليه قوم من الصّحابة منهم طلحة فقال له : ما أنت قائل لربِّك وقد ولّيت علينا فظّاً غليظاً تفرق منه النفوس وتنفضّ عنه القلوب » فالنتيجة واحدة ، وهي إنّ الصّحابة لم يكن أمرهم شورى ، ولم يكونوا راضين عن استخلاف عمر ، وقد فرضه عليهم أبو بكر فرضاً بدون استشارتهم ، والنتيجة هي التي تنبأ بها الإمام علي عندما شدّد عليه عمر بن الخطّاب ليبايع أبا بكر ، فقال له : « أحلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً » (٢).
وهذا بالضبط ما قاله أحد الصّحابة لعمر بن الخطاب ، عندما خرج بالكتاب الذي فيه عهد الخلافة ، فقال له : ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال : لا أدري ، ولكنّي أوّل من سمع وأطاع ، فقال الرّجل : لكني والله أدري ما فيه ،
____________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٦٣ ، البداية والنهاية لابن كثير ٥ : ١٦ : « وفي أثناء هذا المرض عهد بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطّاب ». تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٣ ، ط روائع التراث ، الكامل في التاريخ ٢ : ٤٢٥ والذي قال عن تاريخه : « لم أنقل إلاّ من التواريخ المذكورة ، والكتب المشهورة ممّن يعلم بصدقهم فيما نقولوه وصحة ما دونوه ولم أكن كالخابط في ظلماء الليالي ، ولا كمن يجمع الحصباء واللآلي » الكامل في ١ : ٣ المقدّمة.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٢٩.