وهذا هو الذي يتماشى مع الخلق العظيم ، والقلب الرحيم الذي اختصّ به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يكن يلعنُ ويسبّ ويجلد من لا يستحقّ ، إنّما إذا غضب فإنّه يغضب لله ، وإذا لعن فإنّه يلعن من يستحقّ اللّعن ، وإذا جلد فإنّما يجلد لإقامة حدود الله ، لا أن يجلد الأبرياء الذين لم تقم عليهم البيّنة أو الشهود أو الاعتراف.
ولكن هؤلاء غاضهم وأحرق قلوبهم أن تتفشّى الرّوايات التي فيها لعن معاوية وبني أُميّة ، فاختلقوا هذه الرّوايات للتّمويه على النّاس ، وليرفعوا مكانة معاوية الوضيعة ، ولذلك تجد مسلم في صحيحه بعد إخراج هذه الرّوايات التي تجعل من لعن الرسول لمعاوية زكاة ورحمة وقربة من الله ، يخرج حديث عن ابن عباس قال : كنتُ ألعبُ مع الصبيان ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فتواريتُ خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حَطْأَةً وقال : « اذهبْ وادع لي معاوية » ، قال : فجئتُ فقلتُ : هو يأكلُ ، قال : ثمّ قال لي : « اذهب فادعُ لي معاوية » ، قال : فجئتُ فقلت : هو يأكُلُ ، فقالَ : « لا أشبع الله بطنَهُ » (١).
ونجد في كتب التاريخ بأنّ الإمام النّسائي بعدما كتب كتاب الخصائص التي اختصّ بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، دخل الشام فاعترضه أهل الشام ، وقالوا له : لماذا لم تذكر فضائل معاوية؟ فقال لهم : لا أعرف له فضيلة إلاّ « لا أشبع الله بطنَهُ » ، فضربُوه على مذاكيره حتى استشهد (٢). والمؤرّخون يذكرون بأنّ دعوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نفذتْ ، فكان معاوية يأكل ويأكل
____________
(١) صحيح مسلم ٨ : ٢٧ كتاب البرّ والصلة والآداب ، باب من لعنه النبي صلىاللهعليهوآله.
(٢) البداية والنهاية ١١ : ١٤ حوادث سنة ٣٠٣ ، باختلاف.