رسول الله أوصى لعلي صادقين; لأنّ عائشة لم تكذّبهم ولم تنْفِ هي نفسها الوصية ، ولكنّها سألت كالمستنكرة متى أوصى إليه؟
ونجيبها بأنّه أوصى إليه بحضور أُولئك الصحابة الكرام وفي غيابها هي ، ولا شكّ بأنّ أُولئك الصّحابة ذكروا لها متّى أوصى إليه ، ولكنّ الحكّام المتسلّطين منعوا ذكر مثل هذه المحاججات ، كما منعوا ذكر الوصيّة الثالثة ونسوها ، وقامتْ السياسة على طمس هذه الحقيقة.
على أنّ عمر نفسه صرّح بأنّه منع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتابة الكتاب لعلمه بأنّه يختصّ بخلافة علي بن أبي طالب ، وقد أخرج ابن أبي الحديد الحوار الذي دار بين عمر بن الخطّاب وعبد الله بن عبّاس ، وفيه قال عمر وهو يسأل ابن عباس : هل بقي في نفس عليّ شيء من أمر الخلافة؟ فقال ابن عبّاس : نعم ، فقال عمر : ولقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرّح باسمه ، فمنعتُه من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام (١).
فلماذا تتهرّب يا سيادة العالم من الواقع ، وبدلا من إظهار الحقّ ، بعدما ولّى عصر الظلمات مع بني أُميّة وبني العبّاس ، ها أنتم تزيدون تلك الظلمات غشاوة وأستاراً ، فتحجبوا غيركم عن إدراك الحقيقة والوصول إليها؟! وإن كنت قُلتَ الذي قُلتَ عن حسن نيّة ، فإني أسأل الله سبحانه أن يهديك ويفتح بصيرتك.
____________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ١٢ : ٢١ ، وذكر ابن أبي الحديد أنّ الخبر نقله أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً. ( المؤلّف ).