ومن هنا يتبيّن لنا سرّ المكانة التي حظي بها عمر بن الخطّاب لدى قريش عامة ولدى بني أُمية خاصّة حتّى سمّوه بالعبقري ، وبالملهم ، وبالفاروق ، وبالعدل المطلق ، إلى أن فضّلوه على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقد رأينا عقيدة عمر في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من يوم صلح الحديبية إلى يوم الرّزية ، أضف إلى ذلك أنّه منع الصحابة من التبرّك بآثار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقطع شجرة بيعة الرضوان (١) ، كما توسّل بالعبّاس عمّ النبىّ ليُشعرَ الناس بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مات وانتهى أمره ، فلا فائدة حتى في ذكراه ، فلا لوم على الوهابية الذين يقولون بهذه المقالات ، فهي ليستْ جديدة كما يتوهّم البعض.
ومن هنا فُتح الباب إلى أعْداء الإسلام والمستشرقين ليستخلصوا بأنّ محمّداً رجلٌ عبقري عرف أنّ قومه وثنيّين تربّوا على عبادة الأصنام فأزال الأصنام ، ولكنّه أبدلهم بذلك حجراً أسوداً.
ونرى بعد كلّ هذا عمر هو بطل المعارضة لكتابة الأحاديث النبويّة ، حتّى يحبس الصحابة في المدينة ، ويمنع آخَرين من الحديث ، ويحرق كتب الحديث حرصاً منه بأن لا تتفشّى السنّة النبوية بين النّاس.
ونفهم أيضاً من خلال ذلك لماذا بقي علي حَبيس الدّار لا يخرج إلاّ عندما يُدعى لحلّ معضلة عجز عنها الصّحابة ، ولم يُشركه عمر في منصب
____________
قال : لا أختم عليه ، هذا لك دون الناس؟ فانطلق طلحة وهو مغضب ، فأتى أبا بكر فقال : والله ما أدري أأنت الخليفة أو عمر ، قال : لا بل عمر لكنّه أبى ».
وفي كنز العمال ١٢ : ٥٨٣ : « إن عمر مزّق الكتاب ومحاه ».
(١) المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي ٢ : ٢٦٩ وسنده صحيح ، فتح الباري لابن حجر العسقلاني ٧ : ٣٤٥.