__________________
ويحدّثنا الذهبي في السير ٨ : ٦١ عن العلاقة الوطيدة بين مالك والمنصور ، حيث إنّ مالكاً جاء إلى المنصور بعد أن ورد إلى الحجّ فيقول : قال لي ( يعني المنصور ) : أنت أعقل الناس وأعلم الناس.
قلت : لا واللّه يا أمير المؤمنين.
قال : بلى ولكنّك تكتم.
ثمّ قال : واللّه لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ، ولأبعثن به إلى الآفاق فلأحملنهم عليه ).
ويروي ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة ٢ : ٢٠١ ما يوافق رواية الذهبي إلى حد ما ، وفيها بيّن تفصيل الملاقاة بين مالك وأبو جعفر المنصور ، فيقول مالك بعد أن استأذن على المنصور عندما ورد الحجّ : ( فمشيت حتى انتهيت إلى القبّة التي هو فيها ، فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلى البساط الذي دونه ، وإذا هو قد لبس ثياباً قصدة ، لا تشبه ثياب مثله تواضعاً لدخولي عليه .. فلمّا دنوت منه رحّب بي وقرّب ثمّ قال : ها هنا إليّ ، فأوميت للجلوس فقال : هاهنا فلم يزل يدنيني حتى أجلسني إليه ، ولصقت ركبتي بركبته ثمّ كان أوّل ما تكلّم به أن قال : واللّه الذي لا إله إلاّ هو يا أبا عبد اللّه ما أمرت بالذي كان ، ولا علمته قبل أن يكون ، ولا رضيته إذ بلغني ( يعني الضرب ) ، قال مالك : فحمدت اللّه تعالى على كلّ حال ، وصلّيت على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ نزّهته عن الأمر بذلك ، ثمّ قال : يا أبا عبد اللّه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم وإني أخالك أماناً من عذاب اللّه وسطوته ... وقد أمرت أن يؤتى بعدو اللّه من المدينة على قتب وأمرت بضيق مجلسه والمبالغة في امتهانه ، ولابدّ أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نال منك .. ثمّ قال لي : يا أبا عبد اللّه ضع هذا العلم ودوّنه ، ودوّن منه كتباً ، وتجنّب شدائد عبد اللّه بن عمر .. لنحمل الناس إن شاء اللّه على علمك وكتبك ، ونبّثها في الأمصار ، ونعهد اليهم أن لا يخالفوها ، ولا يقضوا بسواها فقلت : أصلح اللّه الأمير ، إنّ أهل العراق لا يرضون علمنا ، ولا يرون في عملهم رأينا.