سادساً : يلاحظ أنّ أوّل كتاب كُتب في تدوين السنّة من أحاديث الصحابة والتابعين هو كتاب الموطّأ للإمام مالك ، وكان يطلب من السلطة على لسان الخليفة نفسه لكي يحمل الناس عليه قهراً بضرب السيوف إن لزم ذلك كما صرّح المنصور ، فلابدّ أن تكون تلك الأحاديث من وضع الأمويّين والعبّاسيين ، والتي تخدم مصالحهم ، وتُقوّي نفوذهم وسلطانهم ، وتبعد الناس عن حقائق الإسلام التي صدع بها نبيّ الرحمة صلىاللهعليهوآلهوسلم.
سابعاً : نلاحظ بأنّ الإمام مالكاً ما كان يخشى إلاّ من أهل العراق ؛ لأنّهم كانوا شيعة لعلي بن أبي طالب ، وقد تشبّعوا بعلمه وفقهه ، وانقطعوا في تقليدهم للأئمة الطّاهرين من ولده ، فلم يُقيموا وزناً لمالك ولا لأمثاله ؛ لعلمهم بأنّ هؤلاء نواصب يتزلّفون للحكّام ، ويبيعون دينهم بالدّرهم والدينار.
ولذلك قال مالك للخليفة : أصلح الله الأمير ، إنّ أهل العراق لا يرضون علمنا ، ولا يرون في عملهم رأينا.
فيجيبه المنصور بكلّ غطرسة : يحملون عليه ، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طي ظهورهم بالسّياط.
وبهذا نفهم كيف انتشرتْ المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة ، وسمّتها بمذاهب « أهل السنّة والجماعة ».
والأمر العجيب في كلّ ذلك أنّك ترى أبا حنيفة يخالف مالكاً ، ومالكاً يخالفه ، والاثنين يخالفان الشافعي والحنبلي ، وهذان يختلفان ويخالفان الاثنين ، وليس هناك مسألةٌ فيها اتّفاق الأربعة إلاّ نادراً ، ومع ذلك فكلّهم