فإن اريد بالحكم المأخوذ في هذا الأصل المدّعى تعلّقه بالعمل بواسطة ، الحكم المأخوذ في كبرى القياس الأوّل فهو ليس حكما شرعيّا ، بل هو حكم عقليّ صرف ، حيث إن المستفاد من الخطاب بالصلاة إنّما هو وجوب البراءة الواقعيّة ، ولمّا كان الواقع لا طريق إليه إلاّ العلم ، فالعقل يلزم المكلّف على تحصيل العلم بالبراءة الواقعيّة ، تحذيرا له عن الوقوع في مخالفة الواقع الموجبة لاستحقاق العقوبة ، فوجوبه ليس مستفادا من الشرع ولا أنّ بيانه من شأن الشارع ، حتّى أنّه لو فرض صدور خطاب أصلي به كان مؤكّدا لحكم العقل.
ولو سلّم أنّه مأخوذ به بلسان العقل فيكون حكما شرعيّا بأحد المعان الثلاث المتقدّمة (١) لا نسلّم استناد خروجه إلى اعتبار انتفاء الواسطة ، بل هو مستند إلى اعتبار التعلّق بالعمل كسائر الاصول الاعتقاديّة ، لكونه متعلّقا باعتقاد المكلّف.
وإن اريد به ما هو مأخوذ في كبرى القياس الثاني ، فالكلام فيه يتّضح عند دفع الشبهة في الحكم الاصولي المأخوذ في مسألة قولنا : مقدّمة الواجب واجبة ، الداخلة في عنوان المعنى الثاني حسبما بيّناه (٢) لأنّ قولنا : « ما يتوقّف عليه اليقين بالبراءة واجب » من جزئيّات تلك المسألة كما لا يخفى.
ومعنى حجّية الاستصحاب الّذي حقيقة معناه إبقاء ما كان ، وجوب إبقاء ما كان ، على معنى الحكم ببقائه ، والحكم عبارة هنا عن الإذعان ، وحيث إنّ الإذعان بالبقاء مع فرض الشكّ فيه ممّا لا يتعقّل ، فلا جرم يكون المراد منه الإذعان بأنّ ما كان هو الّذي يتديّن به في تلك الحال كما كان كذلك في الحال السابق ، فيترتّب عليه حينئذ جميع اثاره ولوازمه الشرعيّة ، فإن كان وجوبا أو حرمة فاثارهما ، وإن كان إباحة فاثارها ، وإن كان طهارة أو نجاسة فاثارهما أيضا ، فيرجع الوجوب المذكور إلى كونه متعلّقا بما هو من مقولة الاعتقاد.
وأصل البراءة وإن كان حكما مستفادا من الشرع متعلّقا بالعمل مع الواسطة ،
__________________
(١) تقدّم في التعليقة الرقم ٦ ، الصفحة : ٤٩.
(٢) تقدّم في نفس التعليقة ، الصفحة : ٩١.