نعم لو كان الإيراد على القول المذكور ممّا لا بدّ منه ، فينبغي أن يقال : بمنع شمول الجنس لهذه العلوم من جهة اخرى ، وهي كون العلم محمولا على الملكة ، بقرينة ما تقدّم (١) من كون ألفاظ العلوم أسامي لملكات التصديق بمسائلها ، أو بقرينة ما سيأتي من بناء دفع أوّل الإيرادين المعروفين الاتي بيانهما عليه ، بملاحظة الجمع المعرّف باللام الصالح للقرينيّة هنا.
ولا ريب أنّ اللفظ المحمول على معناه المجازي بقرينة موضحة لا يتناول المعنى الحقيقي ولا ما هو من أفراده.
ويرد هذا الإشكال أيضا بناء على حمله على الظنّ ـ كما عليه جماعة ـ دفعا لثاني الإيرادين الاتيين ، فقضيّة ذلك خروج القيد توضيحيّا ، إلاّ أن يقال : بمنع انحصار فائدته في إخراج العلوم المذكورة ليلزم خروجه بلا فائدة على تقدير عدم دخولها في الجنس ، بل من جملة فوائده خروج الضروريّات ، فإنّ العلم بها ليس من الفقه كما في صريح كلام بعض الأعاظم (٢) واحتمله بعض الأعلام (٣) وعليه جماعة منهم بعض الأفاضل (٤) في صريح كلامه ، غير أنّه خالف غيره في وجه خروجها بهذا القيد ، فإنّ غيره علّله بأنّ الفقه علم يعتبر حصوله بطريق النظر والاستدلال وهذا هو مفاد القيد الراجع إلى العلم ، وهو في الضروريّات ليس مستحصلا عن الدليل بطريق النظر والاستدلال ، بل هو مستفاد من سبب ضروري وهو الضرورة والبداهة ، وهو علّله بأنّ الفقه علم مستحصل عن الأدلّة الفقهيّة وهي المتداولة في لسان الفقهاء ، فيراد بأدلّتها هذه الأدلّة المعهودة ، فيخرج بها الضروريّات لأنّها مستحصلة عن الأدلّة الكلاميّة ، وهي الّتي تدلّ على صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله وكون شريعته الّتي أتى بها ثابتة في الواقع ، لأنّ ضرورة الدين لا توجب إلاّ العلم بكون الحكم الضروريّ ثابتا من النبيّ ، ولا يلزم من ذلك كونه ثابتا في الواقع ليصير حكما واجبا اتّباعه إلاّ بعد ثبوت صدق النبيّ وحقّيّة شريعته ، والأدلّة
__________________
(١) تقدّم في التعليقة الرقم ١ ، الصفحة ٢٠.
(٢) إشارات الاصول : ٣.
(٣) قوانين الاصول : ٦.
(٤) هداية المسترشدين : ٥ ( الطبعة الحجرية ).